خيرالله خيرالله: اليمن وإيران... والشلل الأميركي

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 566 مشاهدات 0


القى الرئيس جو بايدن خطاب الهزيمة الاميركيّة في أفغانستان، أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة.

وضع جزءاً من اللوم على إدارة سلفه دونالد ترامب الذي باشر التفاوض مع «طالبان» في الدوحة وغير الدوحة، وجزءاً آخر على الأفغان انفسهم الذين لم يقاوموا «طالبان».

أشار الى مسارعة الرئيس اشرف غني الى الفرار من كابول. أعطى كلّ الاعذار التي تبرّر الهزيمة من دون ان يوفّر إجابة عن السؤال المتعلق بالانتظار كلّ هذه السنوات لمعرفة ان الجيش الذي بنته اميركا وحلفاؤها في أفغانستان لم يكن يصلح لمواجهة عودة حركة «طالبان» التي هي في الأصل عبارة عن صنيعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني، بعلم أميركي طبعاً.

ثمّة احداث كثيرة لافتة في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان.

من بين هذه الإحداث التصعيد الإيراني في اليمن وانطلاقاً من اليمن في استهداف واضح للمملكة العربيّة السعوديّة.

قرأت «الجمهوريّة الاسلاميّة» الانسحاب من أفغانستان على طريقتها.

باتت تعرف اليمن جيداً، بل اكثر من غيرها، في ضوء وجودها فيه منذ سنوات طويلة.

هذا الوجود تعزّز بعد وضع الحوثيين (جماعة انصار الله) يدهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، أي منذ سبع سنوات.

من صنعاء، العاصمة العربيّة الرابعة التي تسيطر عليها ايران، تتحكّم «الجمهوريّة الاسلاميّة» بجزء من اليمن وتتابع سعيها الى السيطرة على مدينة مأرب، بعدما تمكّنت، عن طريق الحوثيين وتواطؤ الأمم المتحدة، من الإمساك بميناء الحديدة على البحر الأحمر.

حوّلت ايران شمال اليمن، من مشارف تعز الى الحديدة وصعدة، مجرّد قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة في وقت تعاني منه «الشرعيّة» برئاسة الرئيس الموقت عبدربه منصور هادي من حال غيبوبة وانفصام تام مع ما يدور على ارض اليمن.

لولا سلاح الجو التابع للتحالف العربي، ولولا استبسال عدد من القادة العسكريين اليمنيين وأبناء قبائل المنطقة (عبيدة ومراد) لكانت مدينة مأرب سقطت منذ فترة طويلة.

ثمّة إصرار حوثي، أي إيراني، على الاستيلاء على مدينة مأرب نظراً الى كونها ذات اهمّية كبيرة من نواحٍ عدّة بينها موقعها الاستراتيجي...

ماذا ستفعل اميركا، ما بعد الانسحاب من افغانستان، بالتصعيد الإيراني في اليمن وانطلاقاً منه؟ هل تستمرّ في لعب دور المتفرّج في وقت ليس ما يشير الى ان الحوثيين سيتوقفون عن سياستهم العدوانية التي تستهدف فرض امر واقع في شبه الجزيرة العربيّة.

ما الذي يستطيع عمله المبعوث الأميركي الخاص الى اليمن تيموثي ليندركينغ، الذي قرّر أخيراً التحرّك مع مبعوث الامم المتحدة هانز غروندبرغ من اجل إيجاد مخرج في اليمن؟

الجواب انّ المبعوث الأميركي لن يستطيع شيئاً اذا لم يأخذ في الاعتبار أنّ ايران مصمّمة على استخدام اليمن كورقة أساسية في فرض شروطها على الإدارة الاميركيّة.

ترى ايران انّ هناك فرصة جديدة للتقدّم في اليمن وتكريس وجودها فيه.

لذلك، كان اطلاق الطائرة المسيّرة في اتجاه قاعدة العند في محافظة لحج الجنوبيّة أخيراً.

اسفر ذلك عن مقتل ما يزيد على 40 عسكرياً يمنيّاً، في ثاني هجوم من نوعه على العند منذ مطلع العام 2019.

لم تجد «الشرعيّة» ما تردّ به سوى كلام سطحي من نوع قول رئيس الوزراء معين عبدالملك انّ ذلك «يكشف أن الحوثيين غير مهتمّين بالسلام».

ما هذا الاكتشاف الذي لم يسبقه عليه سوى منصور هادي الذي سارع الى اكتشاف آخر يتعلّق بالدور الإيراني في اليمن ودعم «الجمهوريّة الاسلاميّة» للحوثيين!

لا امل في تحقيق ايّ تقدّم في وجود «شرعيّة» من نوع تلك الموجودة في اليمن والتي يشكّل الاخوان المسلمون جزءاً لا يتجزّأ منها. هؤلاء لديهم اجندة خاصة بهم لا تتعارض مع الاجندة الحوثيّة.

يؤكّد ذلك انّه فيما يعتدي الحوثيون على مطار ابها المدني السعودي، نرى همّ جماعة حزب الإصلاح الاخونجي منصبّا على وضع اليد على حقول الغاز التي تديرها «توتال» الفرنسية في بلحاف - محافظة شبوة.

يعتبر الاخوان في اليمن انّ معركتهم مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على هذه الحقول بدل ارسال قوات اضافيّة الى مأرب بغية مساعدة المدافعين عن المدينة في وجه الحوثيين.

قبل نحو شهرين تقريباً، خذل الاخوان اهل محافظة البيضاء الذين انتفضوا في وجه الحوثيين.

أبدت إدارة بايدن منذ اليوم لدخوله البيت الأبيض اهتماماً مميّزاً باليمن.

في هذه المرحلة بالذات، ثمّة فرصة للإدارة الأميركية كي تتحرّك وتظهر أن فهمها لليمن أفضل من فهمها لأفغانستان وانّها لن تدع ايران تفرض امراً واقعاً في اليمن، خصوصاً بعدما تبيّن انّ «الجمهوريّة الاسلاميّة» صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في صنعاء وانّ لديها تصميماً على تحقيق هدفين.

الاوّل الاستيلاء على مأرب والآخر متابعة الهجمات على السعوديّة.

ترفض ايران ايّ محاولة لايجاد تسوية في اليمن، حتّى لو كان الحوثيون جزءاً من هذه التسوية نظراً الى انّهم مكون من مكونات المعادلة اليمنيّة وليس من المنطقي تجاهلهم.

لا شكّ ان الوضع اليمني في غاية التعقيد وان هناك مأساة انسانيّة لا مثيل لها في هذا البلد المعدم.

هذا لا يمنع الولايات المتحدة من اعتماد مقاربة جديدة اكثر وضوحاً وفهماً لما هو على المحكّ في اليمن.

مقاربة تظهر من خلالها ان هزيمة أفغانستان لا تعني شللاً لسياستها الخارجيّة ولا تعني خصوصاً استسلاماً امام ايران التي تعمل على تكريس واقع في اليمن لا يشبه سوى واقع سيطرة «حماس» على قطاع غزّة منذ منتصف العام 2007.

يبدو الخيار واضحاً كلّ الوضوح.

هناك مسؤوليات يتحمّلها اليمنيون انفسهم، بما في ذلك «الشرعيّة» التي لا شيء هناك يمكن تبرير فشلها على كلّ المستويات، وهي «شرعيّة» نصفها نائم ونصف آخر متواطئ مع الحوثيين يلعب معهم من تحت الطاولة.

لكنّ هناك مسؤولية تتحمّلها الإدارة الأميركية التي يُفترض ان تثبت ان مرحلة ما بعد الانسحاب من أفغانستان لا تعني وقوفها موقف المتفرّج حيال ما يدور في اليمن، خصوصاً في ضوء اتباع ايران سياسة اكثر عدوانية تجاه الداخل او منطقة شبه الجزيرة العربيّة كلّها...

تعليقات

اكتب تعليقك