د.موضي الحمود: شبابنا حائر وفي نزاعاً حقيقياً وصراعاً نفسياً بين «الهوية الوطنية» بمرتكزاتها الديموقراطية و «الهوية الحركية»...ويعيشه اليوم عدد من الشباب المنتمين للجماعات الإسلامية المتشددة

زاوية الكتاب

كتب د. موضي الحمود 780 مشاهدات 0


الهوية صفة خاصة بالإنسان والمجتمع، فكل منا يعتز بهويته التي تتجذر بانتمائه إلى وطنه وبإرثه التاريخي والحضاري، وهي مفهوم فكري تناوله كثير من الكتاب والمفكرين* الذين وصفوا الهوية ومظاهر الاعتزاز بها كما بينوا محاذير الانفصال عنها وعرّفوا ذلك بظاهرة «الاغتراب» سواء أكان هذا الانفصال بهدف الانتماء إلى الحضارة الغربية بمظاهرها المدنية والمادية كما هو سائد في أدبياتنا وفي تفكيرنا الدارج، أو كان هذا الانتماء إلى الجماعات المتطرفة فكرياً سواء أكانت حزبية ثورية أو طائفية متعصبة أو إسلامية متطرفة، فكل بُعد عن «الهوية الوطنية» إلى «الهوية الحركية» هو في رأيي اغتراب وغربة عن الوطن.
واقع عايشه كثير من شبابنا في فترات زمنية مختلفة يتنازعهم فيها صراع نفسي بين «الهوية الوطنية» و«الهوية الحركية».. ويعيشه اليوم عدد من الشباب المنتمين للجماعات الإسلامية المتشددة، وهم يتابعون سلوك وممارسات كثير من قادة التيارات الإسلامية في بلادنا العربية ومنهم من يعيش بيننا، حيث يقدم بعض هؤلاء «هويتهم الحركية» أو ما يصفونه «بهويتهم الأممية» - منتمين في ذلك إلى ديار الإسلام كافة - على هويتهم الوطنية ولا يجدون حرجاً في عدم الاحترام لرموز الوطن سواءً أكان علم الدولة أو السلام الوطني الذي يشعرنا جميعاً بالفخر والاعتزاز..، كما أيد بعضهم وباركوا سيطرة جماعة طالبان على الحكم في أفغانستان، معتبرين ذلك هو النموذج الصحيح للحكم الإسلامي الصالح على الرغم من سجل حركة طالبان في التاريخ القريب بالبُعد عن المبادئ الديموقراطية الحقة وممارساتها المشهودة في الحجر على الحريات وإقصائها وإلغائها لحقوق المرأة في التعليم والعمل واحتضانها لزراعة الممنوعات التي حرمها الشرع والقانون!!

هذه المخالفات من البعض لمظاهر الاعتزاز بالوطن ورموزه والتأييد من قبل البعض الآخر للجماعات المتشددة غير الديموقراطية تجسد التناقض بين ما يؤيده هؤلاء وبين ما يرفضونه محقين لكل ما يمس حرياتهم في أوطانهم متمسكين ومستندين في ذلك على المبادئ الدستورية الحاضنة لحقوقهم الإنسانية والسياسية.. ذلك التناقض يسبب. بلا شك نزاعا حقيقيا يستشعره شباب هذه الحركات الحائر بين «هويته الوطنية» بمرتكزاتها الديموقراطية و«هويته الحركية».

أمر يحتاج من هذه الجماعات على اختلاف توجهاتها، والتي تعيش بيننا إلى مراجعة حقيقية لأهدافها ومضامين الرسائل التي تبعثها كجماعات أو كأفراد لتضمن الانسجام مع محيطها الوطني أولاً ولتحقق السلام النفسي لأعضائها من الشباب ثانياً.. كما يتطلب الأمر الحاجة الى جهود حقيقية للقائمين على مناهج التعليم في بلادنا للعمل على تأصيل التربية الوطنية في مناهجنا وترسيخها في نفوس الناشئة حتى لا يكونوا أهدافاً سهلة للحركات المتطرفة بأنواعها.. وبمثل هذا النهج يتحقق لهؤلاء الشباب السلام النفسي والانتماء الحقيقي للوطن الذي يحتاج إلى جهود جميع أبنائه.. والله الموفق.


* منهم الكاتب والباحث باسم عثمان من فلسطين.

د. موضي عبدالعزيز الحمود


تعليقات

اكتب تعليقك