داهم القحطاني: «طالبان» الجديدة ستنقذ أفغانستان من الفوضى
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني أغسطس 18, 2021, 11:02 م 982 مشاهدات 0
في التاسع والعشرين من فبراير عام 2020 اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بحركة طالبان كقوة عسكرية وسياسية مسيطرة على معظم الأراضي الأفغانية حين عقدت معها، وبعد مفاوضات دامت لسنوات، اتفاقاً تاريخياً مهماً في العاصمة القطرية الدوحة، ينظم عملية انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
هذا الاتفاق كان مؤشراً مهماً على عودة طالبان للسلطة، وهم ما تم بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، ومن دون إراقة الدماء، رغم عنف وقسوة المعارك بين أطراف النزاع.
وحتى لا يعلق البعض ويعتبر سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان خطراً على دول مجلس التعاون الخليجي، نلفت الانتباه إلى أن السلطة سلمت لطالبان بتوافق أميركي مع الحركة، وبموافقة ضمنية من باكستان الأب الروحي لطالبان، وبتنسيق مع بعض أطراف الحكومة الأفغانية، وذلك تمهيداً لمرحلة جديدة تتحول فيها الحركة إلى تيار سياسي مدني يقود أفغانستان، ويرث السلطة ومعها المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمها الأفغان مع الأميركيين.
الوجود الأميركي المباشر أصبح مكلفاً للجميع في ظل رفض الشعب الأفغاني لهذا الاحتلال، كما أن معظم مسؤولي الحكومة الأفغانية والعاملين فيها كانوا يشاركون في السلطة من أجل منع انهيار أفغانستان كدولة، وتجنباً للدخول في مرحلة من الفوضى قد تفقد أفغانستان جزءاً من أراضيها وثرواتها، وهذا كله يفسر سهولة انتقال السلطة لطالبان.
وبعد توافق الجميع في مفاوضات الدوحة، تم تسليم السلطة لطالبان على مراحل، بدأت باتفاق على انسحاب القوات الأميركية بهدوء ومن دون انتقام طالباني، وهو ما تم، وانتهت بمفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية، نجحت في تجنيب أفغانستان حمامات من الدماء، والاكتفاء بمعارك محدودة في مناطق مختلف عليها، إلى أن رضخت الحكومة الأفغانية للأمر الواقع، وتم الطلب من الجيش الأفغاني والسلطات الأخرى عدم التعرض لقوات طالبان.
حركة طالبان ليست جديدة على السلطة، وسبق لها أن حكمت أفغانستان لنحو 6 سنوات، وهي اليوم أكثر اعتدالاً وتنظيماً ومدنية منها حين تسلّمت السلطة عام 1996، فالخصوم آنذاك كانوا أشرس وأكثر دموية، أما اليوم فهناك ترحيب كبير برجوعها للسلطة.
بالطبع هناك استحقاقات مهمة ستواجه أولى حكومات حركة طالبان في انبعاثها الجديد، ومنها الحفاظ على الوضع الراهن، خصوصاً في المناطق الحدودية مع دول الجوار، وعدم تحول أفغانستان إلى مقر للحركات المتطرفة، كما أنها ستواجه سلسلة من الأحداث التي تحاول عرقلتها تخريباً لاتفاقها مع الولايات المتحدة الأميركية.
الصين والهند وروسيا دول لن تقبل بالتأكيد بوجود حركة طالبان في الحكم، وسيكون هناك سعي من هذه الدول لتخريب هذا المشهد وإحداث القلاقل والفوضى، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، لخلق حالة من الرفض الشعبي والدولي لحكومة طالبان، ولمنع الولايات المتحدة الأميركية من تنفيذ مخططها الأوسع الذي يستهدف التأثير سلباً على الصين وروسيا.
محلياً يلاحظ أن حجم جهل بعض الكتّاب والمغردين في طبيعة حركة طالبان كبير جداً، فبعضهم يصفها بما ليس فيها، ويعتمد على أخبار مصدرها أطراف معادية للحركة.
طالبان كحركة تمثّل أغلبية الشعب الأفغاني منذ عام 1996، وقد فضلها حتى على التيارات المجاهدة التي انتصرت على الاتحاد السوفيتي، بعد أن انشغلت هذه التيارات بحروب قبلية استهدفت السلطة والثروة وأرهقت الشعب الأفغاني كثيراً.
لهذا كله مطلوب من بعض المحللين السياسيين، الذين يتخذون مواقف مسبقة غير منصفة للحركة، ومن الكتّاب الذين يتحسسون دوماً من كل ما هو إسلامي، التخلي عن عقلية التسعينات في تحليلاتهم السياسية، والتعامل بمنطق وواقعية، فحركة طالبان عادت إلى السلطة برغبة شعبية، وبتوافق من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول المتناغمة معها، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، وما يحدث على الأرض حقبة جديدة بالفعل.
تعليقات