د.محمد الرميحي: هل يمكن تفادي «الحماقة» إلى «الوفاق»؟

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 855 مشاهدات 0


بعد بن عمر وولد الشيخ وغريفيث هذا هو هانز غروندبرغ، يركب صهوة جواد المبعوث الأممي لليمن بلا سراج، وبعد أن أطاح الحصان سابقيه الثلاثة فليس من الأمل أن يستقر كثيراً على صهوة الجواد الجامح.
مطالب الحوثيين معلنة؛ رفع الحصار عن مطار صنعاء ورفع الحصار عن ميناء الحديدة، وبالتالي جلب سلاح إيراني أكثر ومتنوع من أجل الاستيلاء على كل اليمن، شواطئه وثرواته وبَشره، في المقابل يحضر حفل تنصيب الرئيس الإيراني مجموعة من القوى العربية من اليمن وفلسطين وغيرها من الدول والمنظمات كلها مؤيدة للنظام الإيراني وتريد أن تطبق نموذجه قسراً على شعوبها، ربما فقط نكاية بالموجود، وليس بالضرورة توقاً إلى الأفضل! النظام الإيراني يزداد تشدداً، ليس فقط بالإيعاز لأذرعته ببدء مناوشات كما حدث بين «حزب الله» وإسرائيل مؤخراً، ولكن منضبطة كما أعلن حتى الآن، ولكن أيضاً بشكل مباشر من خلال التورط بالاعتداء على السفن العابرة في أعالي البحار كما تؤكد الكثير من المصادر. يطالب الجانب الإيراني بالتسريع في إنهاء المفاوضات في فيينا والعودة إلى اتفاق 2015 بكل تفاصيله دون زيادة، والحصول على بلايين الدولارات من أجل التوسع في قضم الجوار وتسليح الأذرع التابعة وتطوير الصواريخ، وأيضاً تطوير التقنية النووية. واضح أن السياسة بمعناها العملي وهي في التاريخ البشري الحديث، تبدأ من نقطة كي تصل إلى حلول وسطى، قد خرجت من معادلة الشرق الأوسط أو تكاد، لم يبقَ إلا الحرب مهما حاولت الأطراف المختلفة أن تتصور عكس ذلك.
الأمن يهتز بشدة في منطقة الشرق الأوسط وما تحت السطح أكبر كثيراً مما فوقه. الحروب مهلكة ومنهكة ومستنزِفة لكل الموارد، وفي الغالب لا تنتهي كما يتصور بعض المساهمين في إشعالها، ما يعتقد أنه منضبط الآن سوف يتبين في المدى المتوسط أنه ليس كذلك. ربما الأسئلة الكبرى تقول لماذا يصر النظام الإيراني على التوسع وبسط نفوذه على الجانب العربي، فإن كان يحمل آيديولوجيا لها صبغة دينية - مذهبية، فلديه جيران في الغرب منه أكثر قرباً، التفسير في محمد ومحمود وحسنو أخيراً إبراهيم (أسماء بعض رؤساء الجمهورية الإيرانية)، كلها أسماء عربية وكثيراً منهم يتكلم العربية، فهناك تصور أنها والأمر ذلك مكلفة بالعرب، وهو غير واقعي، ثم يأتي التفسير الآخر أن الجوار العربي يشتمل على موارد للثروة، ثم أخيراً تأتي المصالح معززة من جهة بالاستقواء، ومن جهة ثانية بإقناع شرائح تابعة القيام بالشغب على مجتمعاتها! الحقيقة أن إيران في الداخل لديها ما يكفيها وما لا يتمناه عاقل للشعب الإيراني، بطالة وتراجع اقتصادي هائل وقمع ليس له نظير حتى في الأنظمة الإيرانية السابقة، وشح في الماء والغذاء والدواء، ووباء فتاك يحتاج إلى كل الجهود الممكنة والأموال المتوفرة للتصدي له، وما يُصدر حتى الآن من إيران إلى بعض الجوار، لا دواء في بيروت ولا علاج في صنعاء ولا مستشفيات في سوريا، كل ما يتصور إنسان سوي أن الناس تحتاج إليه كضروريات هو جد شحيحة والناس في عناء. فوق ذلك هناك غول اسمه الفساد، كل ذلك يضع الشعوب الإيرانية والمتسلط عليها خارجها في مكان أكبر من الأزمة وهو المكان الذي يسمى الإحباط الكامل.
أمام هذا الوضع والمرشح أن يزاد عمقاً بأشكال مختلفة وفي أكثر من زاوية ومكان، فمن المتوقع أن ينفجر كلياً أو جزئياً، لم يعد السؤال الآن هل ينفجر أو لا بل السؤال متى ينفجر؟ إذا استمرت السياسات معاندة ومخالفة للواقع. لا أريد أن أرسل رسالة سوداوية للقارئ فقط أرغب في قرع الجرس؛ لأن ما نعرف من طرق الصراع حتى الآن ليس بالضرورة ما يمكن أن يحدث، قد تنفجر الأزمة بطريقة ما وفي مكان ما دون أن يكون أحد قد توقع ذلك. كل المؤشرات تقول إن الاشتباك وشيك، وأن الجانب الإيراني يبدو لها حسابات ومقتنع بها وليس مهماً حتى ما يقوله الأقرب إليه من الأصوات التي بدأت تظهر على السطح في الداخل الإيراني. كل الأنظمة في التاريخ الحديث التي تبنت آيديولوجيات لا يوجد في قاموسها ما يسمى الهبوط الاضطراري الآمن، إما الكل وإما لا شيء، وإذا تداخلت الآيديولوجيا بأفكار دينية تصبح صلبة وغير قابلة حتى للحلول الوسطى.
ذلك هو المشهد الذي يرتسم أمامنا اليوم في منطقة الشرق الأوسط إنه برميل بارود ينتظر «حماقة»، والموقف الدولي إما ضعيف أو متردد أو غير عابئ بما يدور في المنطقة فقط يرغب إن أمكن في تأخير الانفجار أو احتواء اندلاع النار، ولكن ليس بقادر على منع الحطب من التراكم ولعب البعض بأعواد الثقاب. إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، وعد بأن يعالج الاقتصاد، وذلك مهم للشعوب الإيرانية، ولكنه حتى يتمكن من ذلك لا بد أن يصل إلى حالة من التلاؤم أو التوافق في وسط الطريق. حتى الآن لم تظهر معالم إدارته الجديدة، والبعض يرى أنه ليس مهماً الأشخاص بقدر ما يهم هو السياسات المتبعة، وقد غدت معروفة في خطوطها العريضة وواجبة التغيير. هل ثمة بصيص أمل في آخر النفق الذي وصفت؟ ربما ومن مؤشراته احتواء ما تم بين لبنان وإسرائيل، فكلا الطرفين لم يتعدَ الخطوط الحمراء، ذلك يعني، بغض النظر عن الكلام والشعارات، أن هناك عقلاً يحسب الربح والخسارة. هل انتهي بالتفاؤل، قد يكون ذلك مبرراً، ففي نهاية الأمر الأطراف جميعاً تعرف أن إشعال المنطقة سوف يأتي بخسارة فادحة لجميع الأطراف، إن ذلك الهدف - أي تفادي الحرب - يحتاج إلى شجاعة أكثر بكثير من شجاعة إشعالها الاستثمار في بقاء الأزمات كما هي خسارة تكبر كل يوم.
آخر الكلام:
جائحة «كوفيد» لم يُسيطر عليها في منطقة الشرق الأوسط حتى الآن، بعض الدول نجحت وبعضها الآخر يحتاج إلى مساعدة سريعة، هل نبدأ ببناء حسن النوايا بوضع خطة مشتركة بين دول الإقليم؟... مجرد اقتراح!

تعليقات

اكتب تعليقك