داهم القحطاني: يجب أن تعي الحكومة خصوصا رئيس الحكومة ووزير المالية بأن أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية في حقيقتها أموال خاصة وليس للحكومة أو لمجلس الأمة الحق الأدبي والشرعي في التصرف فيها
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني أغسطس 4, 2021, 10:09 م 980 مشاهدات 0
من منَّا لا يريد أن يحصل على المنح والهبات المالية من مؤسسات الدولة الرسمية، فهذه رغبة طبيعية لدى غالبية البشر، ولكن حين نعلم أن هذه المنح والهبات سيكون ضررها علينا أكبر من نفعها هنا يبرز الفرق بين من يتعامل بحكمة مع الرغبات الشخصية وإن كانت مبررة، ومع من يتعامل بأسلوب «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب».
لا شك أن المعلومات التي تم تداولها عن لقاء سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد بمجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والتي ذُكر فيها أن ولي العهد طلب من المجلس تخصيص جزء من أرباح المؤسسة ليصرف على المتقاعدين، أمر يُنم عن استشعار سموه لأحوال هذه الشريحة المهمة في المجتمع وهو أمر تميز به حكام الكويت على مر السنين.
وهذه الدعوة الكريمة أتت تتويجا لمطالبات عدة كنت شخصيا أحد الداعين لها عبر مقال شهير نشر هنا في القبس بتاريخ 27 يونيو 2019 وبعنوان «الرجعان ليس المتهم الأخطر في التأمينات».
هذا الدعم للمتقاعدين يفترض أن يكون مستمرا، وأن يؤدي لتخفيف الأعباء المعيشية المتصاعدة وهذا ما لا يمكن أن يتم عبر الهبات المالية المباشرة لأنها ستتبخر في شهر واحد، وقد تصرف بحكم توافر السيولة، ووفقا لطبيعة البشر على قضايا ليست ملحة ليس من ضمنها الأعباء المعيشية أو القضايا الاجتماعية الملحة.
ولتقريب الصورة نطرح هذا التساؤل؛ أيهما أفضل للمتقاعدين، صرف ألفي دينار كويتي لمرة واحدة وبكلفة 270 مليون دينار كويتي لـ 135 ألف متقاعد حسب إحصائية 2019 أم القيام باستثمار هذا المبلغ في صندوق استثماري خاص ليسمى مثلا «صندوق رفاهية المتقاعدين»، وصرف عوائده بشكل مباشر على المتقاعدين، وهنا سيحصل كل متقاعد على 200 دينار سنويا وفق معدل ربح 10 في المئة؟ أي أن ما سيحصل عليه المتقاعد من زيادة في سنة واحدة يساوي زيادة 30 سنة من الـ 20 دينارا التي تتم وفق القانون الحالي مرة كل 3 سنوات.
وبالطبع الزيادة ستكون أكبر لو تم رفع موجودات صندوق رفاهية المتقاعدين إلى 500 مليون دينار كويتي، أي أن كل متقاعد سيحصل على 400 دينار سنويا.
كما يمكن توجيه عوائد صندوق رفاهية المتقاعدين لانشاء شركة تأمين خاصة للمتقاعدين توفر خصومات عدة على سلع وخدمات متعددة، أو الاستثمار في شركات كويتية قائمة مقابل تخصيص خصومات خاصة للمتقاعدين، أو طرح أفكار أخرى.
طالبت في مقالي الذي أشرت له مطلع الحديث بأن على مجلس إدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية أن يبادر بمثل هذه الأفكار الخلاقة والمبدعة التي تعزز الأوضاع المعيشية للمتقاعدين لأنهم أصحاب الحلال، وذكرت أن التركيز على الملاءة الاستثمارية أمر جيد ومطلوب، وقد نجح مجلس الإدارة الحالي في تحقيقه بالفعل، ولكن تعزيز أرباح المؤسسة لن تكون له قيمة حقيقية إن لم يتم ربط جزء من هذه الأرباح بفكرة تحسين الأوضاع المعيشية للمتقاعدين، فمؤسسة التأمينات الاجتماعية ليست مؤسسة استثمارية بالمعنى التقليدي، بل هي مؤسسة استثمارية لها أدوار اجتماعية رئيسة، ومسماها يدل على ذلك.
في النهاية يجب أن تعي الحكومة، خصوصا رئيس الحكومة ووزير المالية بأن أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية في حقيقتها أموال خاصة وليس للحكومة أو لمجلس الأمة الحق الأدبي والشرعي في التصرف فيها بقرارات تهدد الأوضاع المالية للمؤسسة، فالحكومة مجرد موظف يدير المؤسسة وليست المالك لها.
والسماح بتحويل مؤسسة التأمينات الاجتماعية لتكون صندوق صرف مباشرا، أمر سيؤدي حتما إلى كارثة قد تصل إلى عدم القدرة على صرف رواتب المتقاعدين مستقبلا، فالموظفون الحاليون وحين سيتقاعدون سيطالبون بمنح مالية شبيهة بالتي تمتع بها من هم قبلهم، وهنا ستقع كارثة استنزاف أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية باسم العدالة والمساواة.
أما المتقاعدون فعليهم أن ينتبهوا أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تم تمويلها من رواتبهم حين كانوا على رأس العمل، وتمول الآن من الموظفين الذين هم الآن على رأس العمل، لهذا فهي مؤسسة مملوكة أيضا لغير المتقاعدين ما يجعل القرار غير متعلق فقط بشريحة المتقاعدين، فتعزيز الأوضاع المعيشية للمتقاعدين يجب أن يضبط بشكل دقيق وأن يجنب فكرة الصرف المباشر للأموال حتى لا يتسبب بعضهم في مثل هذه المطالبات بمستقبل تقاعدي سيئ لأبنائكم وبناتكم من الموظفين الحاليين.
تعليقات