بريطانيا ترفع قيود كورونا وسط ارتباك حكومي وتثير جدلاً طبياً وتخوفاً شعبياً.. «يوم الحرية» أم «مناعة القطيع»؟
عربي و دوليالآن - الجزيرة يوليو 19, 2021, 7:43 ص 1075 مشاهدات 0
"تعتقد الحكومة البريطانية أن اللقاحات أدت إلى انحسار عدد الوفيات رغم أعداد المصابين المرتفعة، كما أن الداخلين إلى المستشفيات هم من الفئة الشابة غير الملقحة".
تتجه أنظار العالم بحذر شديد إلى "يوم الحرية" في بريطانيا، الذي ينطلق غدا الاثنين 19 يوليو/تموز، إذ سترفع قيود التباعد الاجتماعي، وتنتهي إلزامية ارتداء الكمامة، لتعود الحياة إلى طبيعتها.
ويأتي هذا اليوم مع تسجيل ارتفاعات كبيرة في الإصابات بفيروس كورونا في بريطانيا، وبمعدل 50 ألف حالة. ومن المتوقع أن يبلغ هذا العدد 100 ألف إصابة بحلول الشهر المقبل.
ويضع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يده على قلبه، قبل "يوم الحرية"، وهو يشاهد التحذيرات الطبية التي تتقاطر عليه، ليس فقط من داخل بلاده، وإنما من خارجها أيضا، فضلا عن المعارضة السياسية للقرار الذي يرى فيه البعض مغامرة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها بريطانيا ضجة، منذ بداية الوباء؛ أولا بالحديث عن التوجه لتطبيق سياسة "مناعة القطيع"، قبل التراجع عنها، ثم الانطلاق في عملية التلقيح قبل دول العالم، واتهامها بالتسرع في منح الرخص الطبية للقاحات، وهذه المرة أيضا تسبق بريطانيا العالم في فتح البلاد.
مناعة القطيع
ويزيد الضغط على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بعد أن وجّه أكثر من 1200 عالم في شتى أنحاء العالم تحذيرا مفاده أن إصرار الحكومة البريطانية على المضي قدما في فتح البلاد "سيعرض العالم للخطر، وأنه قرار غير علمي وغير طبي".
وفي اجتماع طارئ حذّر هؤلاء العلماء من أن قرار إلغاء قواعد التباعد الاجتماعي، وعدم ارتداء الكمامات، هو طريقة "متحايلة" لتطبيق سياسة مناعة القطيع، عبر إصابة أكبر عدد من الأشخاص.
وفي الرسالة المنشورة بمجلة "لانسيت" الطبية، أكد العلماء أن الخطورة في كون بريطانيا تعدّ معبرا عالميا، ما يعني انتشارا أكبر لمتحوّر "دلتا" سريع العدوى.
وعلى الصعيد الداخلي، عبّر البروفيسور كريس وايتي، كبير المستشارين الطبيين للحكومة البريطانية، عن قلقه من الأرقام المرتفعة للعدوى، حيث تُسجل إصابة واحد من بين كل 96 في بريطانيا، مشددا على أنه في حال لم يتم التعامل مع الفتح بحذر شديد، "فإننا سنشهد أرقاما مفزعة"، وتوقّع فرض إجراءات جديدة للتباعد الاجتماعي مع نهاية الشهر المقبل، في حال استمرت الأرقام بالارتفاع.
وإلى جانب المعارضة الطبية، جاء تصريح عمدة مدينة لندن صادق خان، الذي ذهب بعكس توجيهات الحكومة البريطانية وأعلن أن ارتداء الكمامات سيبقى إلزاميا في وسائل النقل العمومي، ليُضاف إليه إعلانات سلاسل المتاجر الكبرى في البلاد، التي أكدت إلزام مرتاديها بالكمامات، وكذلك فعلت شركة "أوبر" أيضا.
تخوف شعبي
وبقدر انتظار البريطانيين يوم التخفف من قيود كورونا، بات القلق يساورهم وهم يتابعون ارتفاع الإصابات ارتفاعا كبيرا. وأظهر استطلاع رأي للمؤسسة الوطنية للإحصاء في بريطانيا (ONS) أن ثلثي البالغين في البلاد يخططون للاستمرار بوضع الكمامات في المتاجر والأماكن المغلقة.
وحسب الاستطلاع نفسه، فإن 64% من البالغين سيواصلون ارتداء الكمامات في وسائل النقل العام، في حين يخطط 60% لتجنب الأماكن المزدحمة.
وفي أحدث إصدار أسبوعي لهذه المؤسسة الرسمية، استمر غالبية البالغين (90%) بتأكيد شعورهم بالأمان وهم يرتدون الكمامات ويطبقون قواعد التباعد الاجتماعي، مع الابتعاد عن مخالطة الآخرين الذين لا يشاركونهم المسكن أو رعاية الأطفال. ويعتقد 88% من البريطانيين أن هذه الإجراءات أسهمت في تراجع انتشار الفيروس.
وقال أكثر من نصف البالغين (57%) الذين شملهم الاستطلاع بين 7 و11 يوليو/تموز الجاري، إنهم قلقون بشأن خطة إزالة القيود الصحية، و(20%) منهم قالوا إنهم قلقون جدا.
حيرة طبية
وتفسّر خبيرة الأوبئة واللقاحات في الجامعة الملكية البريطانية، ميس عبسي، موقف الحكومة بالأرقام المتوفرة حاليا، التي تقول إن 87% من البالغين تلقوا الجرعة الأولى، وبلغت نسبة من تلقوا الجرعة الثانية 65%.
رفعت إنكلترا تقريباً كلّ القيود الصحّية المرتبطة بكوفيد-19، اليوم الاثنين، الذي أُطلِقت عليه تسمية «يوم الحرّية»، وذلك على الرغم من الارتفاع في عدد الإصابات الذي يثير قلق كثير من العلماء والمسؤولين السياسيين.
واعتباراً من منتصف الليل في إنكلترا (23:00 بتوقيت غرينتش)، ستفتح قاعات الحفلات والملاعب بكامل طاقتها، وستكون الملاهي الليلية قادرة مرة أخرى على استقبال الزبائن وسترفع القيود على عدد الأشخاص المسموح لهم بالتجمع. وسيوضع حد لإلزامية وضع الكمامة في وسائل النقل المشترك والمتاجر.
وتقول عبسي إن لدى الحكومة قناعة أن اللقاحات كسرت العلاقة بين ارتفاع الإصابات وعدد الحالات التي تصل إلى المستشفيات وعدد الوفيات، مبينة أن "عدد الإصابات التي كانت تبلغ سابقا 50 ألف حالة كانت تؤدي إلى 500 وفاة. أما حاليا فالوفيات لا تتعدى 40 أو 50، كما أن من يدخلون المستشفيات حاليا هم من الفئة الشابة غير الملقحة".
وأضافت عبسي، في تصريحها للجزيرة نت، أن العلماء مقتنعون بأن الموجة الثالثة آتية لا محالة، "والأفضل حدوثها في الصيف إذ المدارس مغلقة والناس منتشرون في الأماكن المفتوحة قبل حلول الخريف، فمن المتوقع أن تتحقق المناعة الجماعية بتلقيح كل البالغين".
وتتفق خبيرة الأوبئة مع الموقف الداعي للتريث قليلا قبل فتح البلاد "لأننا نواجه المتحوّر دلتا الأكثر انتشارا بنسبة 100%، مقارنة مع النسخة الأولى التي ظهرت في الصين"، ولكنها أضافت "في الوقت ذاته فإن اللقاح أظهر فعاليته بنسبة 95% لمَن تلقى الجرعتين".
ارتباك حكومي
يبدأ أول أيام رفع القيود، الذي يوصف إعلامياً بـ"يوم الحرية"، أي التحرر من قيود كورونا القانونية، أو أغلبها، ووزير الصحة الجديد ساجد جافيد ووزير الخزانة ريشي سوناك ورئيس الوزراء بوريس جونسون في العزل المنزلي. وهؤلاء الثلاثة هم من المتحمسين لرفع القيود وإعادة فتح الاقتصاد، لكنهم لن يستمتعوا بأول يوم حرية.
وأعلن 10 داونينغ ستريت، مقر الحكومة البريطانية، الأحد، أن رئيس الوزراء سيخضع للعزل المنزلي ويواصل إدارة الأمور عبر تقنيات التواصل بالفيديو. وذلك بعد أقل من 24 ساعة من إعلان أن رئيس الوزراء ووزير الخزانة لن يخضعا للعزل، وسيقومان بدلاً من ذلك بإجراء اختبار يومي لفحص الفيروس بعد أن أعلن وزير الصحة، السبت، أنه أصيب بفيروس كورونا ونتيجة فحصه جاءت إيجابية عقب لقاء له مع جونسون وسوناك.
وأثار القرار الأول باستثناء رئيس الوزراء ووزير الخزانة من العزل غضباً شعبياً وجدلاً سياسياً واسعاً، ليعلنا على أثره التراجع عن قرار الاستثناء والدخل في العزل. وليست تلك المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة عن قرارتها في سياق سياسة مواجهة انتشار وباء كورونا.
ومنذ بداية الوباء في أوائل العالم الماضي، والارتباك غالباً هو سيد الموقف في القرارات الحكومية. وما زالت المعارضة البريطانية تطالب بالتحقيق في أول ارتباك، حيث تأخرت الحكومة في فرض الإغلاق الأول في مارس (آذار) 2020، ويقول البعض إن التبكير بالمواجهة كان يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح.
وشهد أكثر من عام مضى ارتباكاً بعد ارتباك واتخذت قرارات والتراجع عنها ما أفقد البعض الثقة في قدرة الحكومة على التزام سياسة موحدة وواضحة في مواجهة الوباء. وغالباً ما تبرر الحكومة ذلك بأنها تتخذ قراراتها استناداً إلى النصيحة العلمية من مستشاريها العلميين والطبيين.
ويترك التردد والتراجع عن القرارات الجماهير في حالة ارتباك أشد. وأصدق مثال على ذلك هو السفر للخارج، الذي وإن كان سيصبح مفتوحاً بدءاً من غداً الاثنين، إلا أن الحجر المنزلي أو في الفنادق (بكلفة عالية جداً) يظل مفروضاً. كما أن نظام إشارات المرور، دول حمراء وثانية صفراء وأخيرة خضراء، يسبب مشاكل ليس فقط للمسافرين، وإنما أيضاً للمطارات وشركات الطيران والسفر.
وأعلنت الحكومة تحديثاً لنظام إشارات المرور قبل ثلاثة أيام، انتقلت فيه دول كانت مصنفة خضراء إلى خانة الدول الصفراء، بينما أضيف مزيد من الدول للقائمة الحمراء. ويعني ذلك أن من سافروا إلى تلك الدول الأخيرة في الأسابيع الثلاثة الماضية (قبل آخر تحديث)، سيواجهون لدى عودتهم بإجراءات جديدة لم يتحسبوا لها قبل سفرهم.
المصدر : «الجزيرة + AFP»
تعليقات