محمد المقاطع: إعادة ترتيب أوراق الوطن (11-12)
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع يونيو 1, 2021, 10:22 م 491 مشاهدات 0
نحن بحاجة جادة ومُلحة وصادقة لإعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها، وربما حرقها.
وأقلب في هذه العجالة، اليوم، أوراق الصحافة والإعلام.
فغرس بذور الصحافة الحُرة والوطنية كان غرساً مبكراً في الكويت، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حينما بدأت بعثات الطلبة للخارج، فصدرت العديد من المجلات الطلابية الدورية هناك، وكان من بين أولاها جريدة البعثة، وقد اتسمت الصحف الكويتية بطرحها الجريء والمباشر والناقد للأوضاع والساعي لتصحيحها، وقد تشكَّلت إثر ذلك حركة صحافية نشطة ومؤثرة، وفي أواخر الخمسينيات صدر عدد من الصحف اليومية، إلى جوار مجلات أسبوعية، وقد تغذت تلك الصحف من أجواء الانفتاح والحرية والبحبوحة السياسية، التي ولدت وازدهرت في كنفها، وتوج ذلك قانون المطبوعات والنشر رقم 3 لسنة 1961، وقد كان سنداً ومنارة لانطلاق صحافة رائدة وجريئة وبسقف حرية عالٍ جداً، وهو ما أكسبها قوة وتأثيراً إضافياً، وهو كان دافع السُّلطة للتخلص منها بعد حل مجلس الأمة عام 1976 وعام 1986، حيث كان تعطيل الصحف والتكبيل لها، ووضعها تحت مقص الرقيب المسبق من أشد الانتكاسات التي مُنيت بها الصحافة. غير أن قوة المطالبات والتحركات الوطنية والمجتمعية كانت كافية لعودة الحياة البرلمانية، وأن تعزز موقف الصحافة الحُرة المشهودة. ويسجل لصحف التيارات السياسية، وكذلك للصحف اليومية بمُلاكها، من مجاميع العوائل التجارية (البرجوازية التجارية) وغيرهم، والشخصيات التي تديرها، صلابتها الوطنية وحفاظها على استقلاليتها ودورها الفاعل والمؤثر، وهو ما شاهدناه من جديد لصحافة حُرة ومتميزة منذ تحرير الكويت حتى عام 2014، وقد صار رديفاً لها فتح تراخيص الصحف ومحطات التلفزة، في ظل أجواء مجلس 1996 ومجلس 1999، وتوجت بصدور القانون 3 لسنة 2006، حيث لعبت الصحافة ومحطات التلفزة والإذاعة دوراً وطنياً رائداً في التوعية والنهوض بالحريات الصحافية والرقابة الحقيقية، مما أوجد سُلطة رابعة حقيقية يُحسب حسابها ويكرس مكانتها.
وفي عام 2014، بدأت مرحلة التراجع والانتكاسة، في ظل محاولة السُّلطة التفرد بإدارة الدولة، وتقييد الحريات، وتحويل مجلس الأمة إلى سُلطة شكلية، بعد أن فرضت بإرادتها المنفردة، نظام الانتخاب بالصوت الواحد، فخرجت لدينا أسوأ نوعية لمجالس أمة شكلية وهزيلة تمثلت في حقبتي مجلس 2013 ومجلس 2016، وقد استمرا لشهر ديسمبر 2020، وكانت السنوات السبع المذكورة كافية لإفراغ الصحافة من دورها المجتمعي وقدرتها الرقابية وموقعها كسُلطة رابعة، فأصيبت بهزال المرحلة هي ومؤسسات التلفزة، خصوصاً بعد أن عدلت السُّلطة، بمعية مجلس الفساد السياسي والمالي، قوانين الإعلام المختلفة، لتصادر الحريات الصحافية، وتكبل الحرية الإعلامية، وتحاصر حرية الرأي وحرية الصحافة، خروجاً على أحكام المادتين 36 و37 من الدستور.
وقد ختم ذلك بإلغاء ترخيص بعض الصحف وبعض محطات التلفزة، الذي جعل أجواء التراجع والوجوم وانتكاسة الحريات الإعلامية تخيم على الوضع العام وتفرض حالة القلق. ومن رحم هذه الأجواء، شهدت الصحافة الكويتية حالة من الخوف والخشية من فقد الترخيص، فانكمشت وبدأت تتقهقر شيئاً فشيئاً، وغاب النمط الشجاع من المُلاك السابقين، مما عجَّل وتيرة تراجعها، وظهرت حالة من الرقابة الذاتية المفرطة، الأمر الذي دفع الكثير من الأقلام؛ إما للتوقف عن الكتابة، أو نقد التضييق عليها، لكن لا حياة لمن تنادي، فصارت الصحف، بشكل عام، معبّرة عن الرأي الواحد، بكل أسف، وهو رأي السُّلطة والمتنفذين والفاسدين، وصارت مساحة الرأي الآخر بأضيق حدودها.
ولن تصلح أحوال البلد دون إعادة ترتيب أوراق الحريات الإعلامية كاملة، وإعادة الاعتبار للصحافة وقنوات التلفزة، إن أردنا إخراج البلد من دوامة الفساد، ولتدور من جديد عجلة الإصلاح.
تعليقات