محمد المقاطع: إعادة ترتيب أوراق الوطن (9-12)

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 880 مشاهدات 0


نحن بحاجة جادة ومُلحة وصادقة لإعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها، وربما حرقها.

فهناك أخطاء وتراجعات كبيرة بحق الوطن، تكشفها قراءة أوراق الوطن، ارتكبتها أو ساهمت بها جميع الأطراف، عن علم ودراية وإدراك، أو دون علم أو بلا قصد أو بسذاجة، وقد سُتِرَتْ حقائقها بمسلك غير حميد، تمثل بالمجاملة أحياناً، أو بالتغافل أحياناً، وبالتحالفات أحياناً ثالثة، أو بتفريط متعمَّد أحياناً أخرى.

وقد انعكس كل ذلك بشكل مرعب على المسار العام للوطن، ورغم أننا ندفع اليوم ثمن تلك الأخطاء والتراجعات، فإن هناك تجنباً واضحاً عن تناولها بشكل موضوعي ومحايد صريح ومنطقي وبحس وطني مسؤول. أعلم أن الخوض فيها وتناولها بالبحث والنقاش والتشخيص سيثير حساسية لدى البعض، وربما يثير حفيظتهم، بل وانتقاداتهم اللاذعة لكل من يقترب منها أو يثيرها.

إلا أن مصلحة الوطن تستوجب أن تطرح تلك الأخطاء على بساط البحث الوطني، حتى نخرج من دوامة التراجع والنكسات الوطنية.

ونتصفح هنا ونقلب أوراق من "يُعرفهم" الكويتيون بـ"التجار الوطنيين"، أو أحياناً باسم "البورجوازية الوطنية". وقد كان لهم دور ومساهمة فاعلة ومباشرة في تطوير الحياة السياسية بالكويت، ودعم المطالبات بالتحول للنظام الديمقراطي والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، وكانوا ضمن التحركات الوطنية التي تمخضت عن مجلس الشورى عام 1921، ثم المجلس التشريعي عام 1938، وكان لهم مواقف مشهودة، بصفة عامة، في الجولات والمفاوضات مع السُّلطة لتكريس نظام دستوري وديمقراطي حديث، وساهموا في ولادة دستور 1962 من خلال عضوية بعضهم في المجلس التأسيسي، ودعم التوجهات الديمقراطية خارج البرلمان. واستمر دورهم الوطني الفعال حتى عام 1976.

إذ إنه حدث انقسام واضح في صفوفهم بعد تعطيل الحياة البرلمانية عام 1976، فتحالف البعض منهم مع السُّلطة في الانقلاب على الدستور، ودخلوا، كما غيرهم من التجمعات السياسية، في حالة من الشد والجذب، بين مطالب باستئناف العمل بالدستور، وبين مثبط لعودة العمل به. وبعد ذلك تم انشغالهم بمصالحهم التجارية والحفاظ عليها، وهو ما أوهن من تأثيرهم، ومع رحيل جيل المؤسسين منهم إلى جوار ربهم تراجع دورهم بصورة أوضح، وقد ظهرت أجيال جديدة لتملأ مواقعهم، لكنه جيل غلبت عليه الموازنات، وشغلته الحسابات الذاتية وبعض المصالح التجارية، وأقام معظمهم، باستثناء قلة، تحالفات تجارية واسعة مع أطراف في السُّلطة والمؤسسات الحكومية الأكثر تحكماً بمفاصل اقتصاد الدولة، فتراجعت إسهاماتهم في تعزيز العمل الوطني الساعي لتكريس الثوابت الدستورية والممارسة الديمقراطية، ولم يعد لهم كيانهم السياسي السابق المتماسك برؤيته والفاعل بمبادرته الوطنية المشهودة، فصاروا أقساماً، فجزء منهم صار مع المقاومين للنظام الديمقراطي، وآخر من المثبطين للتحركات الوطنية الشعبية، وثالث ضمن مقاعد المتفرجين غير الفاعلين، ورابع اختار الانزواء، وبقيت قلة منهم في مسارهم السابق.

ولا تزال هناك محاولات إيجابية لاستعادتهم دورهم الفعال في العمل الوطني، لكن الانقسامات في صفوفهم أثرت بشكل جلي، وصار البعض منهم رديفاً للسُّلطة في تكريس الخروج على الثوابت الدستورية ومقاومة التطورات الديمقراطية، خشية على مصالحهم التجارية، والتي تمثلها حظوتهم بنصيب وافر من المشاريع والتعاقدات الحكومية، أو حفاظاً على مواقعهم أو مناصبهم العامة الرسمية أو التقليدية، أو تَحَصّناً من أن تطولهم بعض مطالبات المساءلة السياسية أو المالية والمتداولة برلمانياً وشعبياً.

وهناك تحركات طيبة بين صفوف بعض شخصياتهم وأجيالهم الجديدة في إعادة ترتيب أوراقهم وتعزيز دورهم الرائد وطنياً، والحفاظ على تاريخهم باستمرارهم على النهج ذاته. وهو أمر له مظاهره الإيجابية، لكن تراجعهم وضعفهم وانقسامهم للفترات الماضية والطويلة نسبياً، وتخليهم عن مسارهم الوطني المعروف، كان من أسباب التراجعات التي ساهمت بما مُني به البلد، شأن معظم القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، ومازالت أوراقهم مبعثرة.

تعليقات

اكتب تعليقك