د. محمد الرميحي: وفاة الرجل الكبير! انه عصر يكاد ينقضي ودروس لآخرين تكاد لا تسمع!
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي إبريل 14, 2021, 9:43 ص 678 مشاهدات 0
ضجت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الجاري بخبر وفاة الأمير فيليب مونتباتن زوج الملكة أليزابيث الثانية، مذكّرة بمناقب الرجل الذي غادر بعد حياة مديدة. لم تكن وسائل الإعلام البريطانية الوحيدة التي فعلت ذلك ولكن معظم الإعلام العالمي أيضاً. الأسباب كثيرة منها مناقب الرجل وخصوصية المؤسسة الملكية البريطانية.
يبدو أن العالم بات أكثر قناعة اليوم في أن أحد أهم عناصر الاستقرار في المجتمع على المدى الطويل هو المؤسسة الملكية ووجودها في المجتمع، ولكن بشرط أساسي ومهم جداً، هو أن تستطيع تلك المؤسسة المواءمة بين المتغيرات في المجتمع حولها والمتغيرات العالمية وتسير جنباً الى جنب مع طموحات شعبها وتطور نظم العالم، وإن لم تفعل ذلك فهي تتجمد ثم تتلاشى كما حدث لمؤسسات مثيلة لها في العالم.
المؤسسة الملكية البريطانية هي واحدة من القلائل التي صمدت طوال هذه القرون في وجه المتغيرات في القارة العجوز أوروبا. السبب أنها قبلت ولو مترددة التكيف مع المتغيرات السياسية التي صاحبت مجتمعها. مسلسل شركة نتفليكس الذي شاهده العالم ويحكي قصة هذه المؤسسة في تاريخها الحديث، على الرغم من التبهير الذي صاحب العمل الفني وربما بعض الخيال، إلا أن المسلسل أظهر الصعوبات التي واجهت وتواجه هذه المؤسسة في العصر الحديث. الملكية البريطانية تواءمت بعد تردد وصعوبات مع المتغيرات السياسية حتى وصلت الى أن الشخص الأول في العائلة (الملك أو الملكة) يسود ولا يحكم، بحسب التعبير القانوني، ولكنه سند ومرجع يعتمد عليه لمواجهة أي هزات ومصاعب تواجه المجتمع، وقد فعلت الملكية البريطانية ذلك، إلا أنها راكمت عدداً من التقاليد التي أصبحت حجر عثرة في طريق التطور، وهي في الغالب تقاليد اجتماعية وضعت في إطار شبه قانوني.
وعلى الرغم من أن العلم في تطوره أصبح لا يناقش حقيقة أن التوازن الوظيفي البيئي مرتبط ببعضه ولذلك يواجه العالم مشكلات المناخ لما أحدثه الإنسان من خلل في أحد مكونات البيئة، إلا أن الإنسان لم يعترف حتى الآن، في التوازن الوظيفي الاجتماعي، لأي مدى هو تأثير التطور في منظومة اجتماعية على المنظومات الأخرى في المجتمع، بما يعني أن التطور في المنظومة الاقتصادية يستوجب التطور بالسرعة نفسها والمستوى في المنظومات الأخرى، الاجتماعية والثقافية والسياسية أيضاً. توازن المنظومات وتكاملها هما أساس التوازن في الطبيعة وفي المجتمع أيضاً. تفاعلت المؤسسة الملكية البريطانية مع التطور السياسي، ولكنها تلكأت كثيراً في المواءمة مع التطور الاجتماعي، ومن هنا نشأت تلك المشكلات التي أصبحت حديث العالم بين فترة وأخرى. تنازل الملك أدوارد الثامن عن العرش لأنه أحب سيدة مطلّقة تمنع التقاليد زواجه منها، ومن ثم طلاق الأمير تشارلز من زوجته ديانا، وزواجه لاحقاً من سيدة تكبره بالسن هي كاميلا، وهي من العامة، كما تسمى في بريطانيا، ثم وفاة الأميرة ديانا في ظروف غامضة، وبعدها طلاق الأمير أندرو، الإبن الثاني للملكة، من زوجته سارة فيرغسون... كل ذلك الاضطراب في العلاقات الشخصية التي وقفت أمامه التقاليد سبّب صداعاً للمؤسسة الملكية، وأحداث أخرى شغلت الرأي العام وتدخل فيها السياسيون، كما تم منع الأخت الأصغر للملكة أليزابيث الثانية، الأميرة مارغريت من الزواج وإفشال علاقتها بمن عرفتهم من الرجال العاديين التي أرادت الارتباط بهم، وحتى أخيراً حفيد الملكة الأمير هاري وزواجه من مطلقة وممثلة أميركية هي ميغن ميركل المنتسبة الى أم من اصل أميركي- أفريقي ورجل أبيض! وخروج الزوجان من ظل العائلة المالكة وما أثارته مقابلتهما الأخيرة مع أشهر مذيعة أميركية، أوبرا وينفري على التلفزيون الأميركي من لغط لم ينتهِ بعد، ووصل الى الصفحات الأولى في الإعلام العالمي.
بوفاة الرجل الكبير الأسبوع الماضي وكبر سن الملكة، ربما يُفتح النقاش من جديد على أهمية وضرورة المواءمة بين التقاليد والتي لم يعد لها مكان على الأرض، وبين الواقع وتغير المجتمع البريطاني، والذي يواجه صعوبات سياسية هيكلية ضخمة ليس أقلها رغبة الأسكوتلنديين في الاستقلال وقد تلحقهم مقاطعة ويلز، كما تواجه مشكلات في إيرلندا الشمالية جراء الانفصال البريطاني عن المنظومة الأوروبية، عدا سلسلة من المشكلات الاقتصادية وقد فجرتها ما أحدثه وباء كورونا على الصعيد البريطاني والاقتصاد الدولي. أمام كل تلك المتغيرات، ليس من المتوقع أن تسير الأمور، كما كانت في المؤسسة الملكية البريطانية، وأن ذلك الستار من شبه السرية والتبجيل لن يستمر.
المعروف أن المؤسسة طاولها نقد لاذع منذ سنوات وبخاصة في البرامج الفكاهية التي انتشرت في المحطات التلفزيونية البريطانية، وكان ذلك النقد موجة الى التصلب الاجتماعي ورفض المؤسسة أو المحيطين بها ممن يُعرف بذوي الشفاه المتصلبة، من التكيف مع المتغيرات الاجتماعية الحاصلة. وربما بوفاة الرجل الكبير يمكن القول إن العد التنازلي لتغير جوهري في المؤسسة أصبح ضرورياً وربما حتمياً إذا أريد لدورها الرمزي أن يستمر في حياة البريطانيين... انه عصر يكاد ينقضي ودروس لآخرين تكاد لا تسمع!
تعليقات