‫خيرالله خيرالله: الأردن يدخل مرحلة جديدة‬

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 804 مشاهدات 0


لا خوف على الأردن. هذا ما ظهر بوضوح من خلال التأييد العربي والدولي الذي لقيه الملك عبدالله الثاني، وهو تأييد مرتبط، إلى حدّ ما، بالأزمة التي تمر بها المملكة. لكنّه، أيضاً، تأييد مرتبط في العمق بتوفير دعم للأردن نفسه وللاستقرار فيه. هذا يعني بكلّ بساطة أن الدور الأردني لم ينتهِ على الصعيد الإقليمي، لكنّ الحاجة تبدو واضحة إلى خلق دور جديد لكيان يستعدّ بعد أيّام لدخول مئويته الثانية.

لعلّ من المفيد التذكير في هذا المجال أن إمارة شرق الأردن، التي تحولّت لاحقاً إلى المملكة الأردنيّة الهاشمية، تأسست في الحادي عشر من أبريل 1921.

لم يكن مناسباً بأيّ شكل، حلول ذكرى مرور مئة عام على قيام الأردن في ظلّ أزمة داخلية لا أفق لها وأسئلة لا أجوبة عنها.

من بين تلك الأسئلة هل يستطيع الأردن تسمية الجهة الخارجية التي تحدّث عنها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي في سياق توجيه اتهامات إلى الأمير حمزة وآخرين؟ هل يمكن الجزم بوجود علاقة بين باسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان والمسؤول عن ملفات اقتصادية متشعبة، والأمير حمزة؟

من هذا المنطلق، يمكن القول إن عبدالله الثاني أقدم على الخطوة الصائبة المتمثلّة في إيكال ملفّ الأمير حمزة بن الحسين إلى الأمير الحسن بن طلال وليّ العهد السابق (طوال 35 عاما) أيّام الملك حسين. الحسن عمّ عبدالله وحمزة ويعتبر حالياً كبير العائلة. يمكن التفاؤل بقرار عبدالله الثاني اللجوء إلى تحكيم عمّه وحصر الخلاف داخل العائلة الهاشمية في النطاق الضيّق، بل في النطاق الأضيق.

قبل كلّ شيء، إن الأمير حسن رجل عاقل حريص كلّ الحرص على وحدة العائلة. إضافة إلى ذلك، مرّ الحسن بن طلال بتجارب كثيرة بعضها شديد القساوة، لكنّه حافظ دائماً على هدوئه وعلى طريقته الساخرة وضحكته المدوّية في التعاطي مع الأحداث بحلوها ومرّها. كان من بين ما مرّ به اضطراره إلى التخلّي عن ولاية العهد في وقت كان الملك حسين على فراش الموت وذلك بناء على رغبة الأخير. قرّر الملك حسين في أيّامه الأخيرة، ومن فراش المرض، إزاحة الحسن عن ولاية العهد وتسمية ابنه البكر الأمير عبدالله مكانه. تصرّف الحسن بطريقة لائقة نزولاً عند رغبة شقيقه الأكبر والتزم منزله، علماً أنّه كانت لديه اعتراضات على كلّ ما حصل من منطلق شخصي.

لم يكن طبيعياً استمرار الأزمة الداخليّة في الأردن في التفاعل وأن تطول أكثر نظراً إلى أنّ المملكة في غنى عن هذا النوع من المشاكل في وقت يمرّ الأردن في ظروف اقتصاديّة واجتماعيّة في غاية الصعوبة والتعقيد والأبعاد. لذلك، كان لابدّ من إيجاد مخرج من تلك الأزمة التي هي في جانب منها أزمة داخل العائلة الصغيرة والواحدة. تعود الأزمة، إضافة إلى ذلك، إلى أسباب كثيرة بعضها داخلي وبعضها الآخر إقليمي وبعضها الأخير مرتبط بجائحة كورونا التي استمرّت طويلاً ورتّبت أعباء ضخمة على الدولة الأردنيّة ومؤسّساتها المختلفة وعلى المواطن العادي.

الأكيد أن استجابة الأمير حمزة مع خطوة إيكال ملف الخلاف مع الملك إلى الأمير حسن تبعث إلى التفاؤل بإمكان وضع الزوبعة التي عصفت بالأردن خلفنا ووصفها بأنّها كانت زوبعة في فنجان. هذا لا يعني أن التحديات التي تواجه المملكة الهاشمية لم تعد قائمة. على العكس من ذلك، يبدو ضرورياً أكثر من أيّ وقت التفكير في المستقبل وفي كيفية مشاركة أكبر عدد من السياسيين الأردنيين من ذوي الخبرة ووجهاء العشائر في تحمّل المسؤوليات إلى جانب الملك عبدالله الثاني والأمير الحسين بن عبدالله وليّ العهد منذ العام 2004. وقتذاك قرّر الملك إبعاد حمزّة عن هذا الموقع وإحلال نجله الأكبر مكانه، وهذا طبيعي في الأنظمة الملكيّة. أكثر من ذلك، ليس ما يمنع أن يكون هناك دور للأمير حمزة، خصوصاً أنّه تجاوب مع رغبة أخيه الأكبر عبدالله الثاني في إيكال ملف الخلاف إلى الحسن بن طلال وقال إنه «يضع نفسه بين يدي جلالة الملك» وإنّه «باقٍ على عهد الآباء والاجداد».

ما لم يكن مقبولاً، بل ما كان مستغرباً، في السنوات القليلة الماضية اضطرار عبدالله الثاني إلى أخذ كل المشاكل التي يتعرّض لها البلد بصدره هو. هذا ما فعله عندما توجه شخصياً الشهر الماضي إلى السلط بعد البلبلة التي أحدثتها وفاة سبعة مواطنين مصابين بـ«كوفيد – 19» بسبب انقطاع الأوكسيجين عنهم. اتخذ الملك بنفسه إجراءات قاسية في حق المقصّرين. صحيح أن العاهل الأردني يشعر بمسؤوليته عن كلّ مواطن ولكن الصحيح أيضا أنّه من المبرّر التساؤل أين المؤسسات والإدارات الرسميّة التي كان يفترض بها تدارك حادث فظيع مثل ذلك الذي جرى في مستشفى السلط الحكومي؟

ستكون حاجة أكثر من أيّ وقت في الأيّام والأسابيع المقبلة إلى إعادة إحياء خطوط الدفاع عن المؤسسة الملكيّة في الأردن، بما في ذلك العلاقات مع العشائر الشرق أردنية والعائلات الكبيرة وكلّ قطاعات المجتمع. على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن تجاهل أنّ آل المجالي كانوا دائماً في صلب المعادلة الأردنية. اثنان من العائلة هما أيمن المجالي وحسين المجالي كانا إلى اللحظة الأخيرة مع الملك حسين أثناء مرضه. أيمن بصفته مدير التشريفات الملكيّة وحسين بصفة كونه قائد الحرس الخاص بالعاهل الراحل. وعندما وقّع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل في وادي عربة في أكتوبر 1994، كان من وقّع، مع إسحق رابين باسم المملكة الهاشميّة، الدكتور عبدالسلام المجالي رئيس الوزراء الأردني وقتذاك.

ما حصل في الأردن شغل المنطقة كلّها، لكنه شغل الأردنيين أنفسهم. الأكيد أن البلد سيدخل مرحلة مختلفة وجديدة ستكون فيها حاجة إلى حكومة أخرى وإلى إعادة نظر في مؤسسات كثيرة اعتادت في أيّام الملك أن تكون خط الدفاع عن المؤسسة الملكية بدل ترك الملك يواجه بنفسه كلّ صغيرة وكبيرة ويتعاطى في تفاصيل التفاصيل. التفاصيل من دون شكّ مهمّة لكنه يفترض ألّا تستهلك وقت عبدالله الثاني، السياسي الاستثنائي البعيد النظر، في مرحلة في غاية الدقّة تمرّ فيها المنطقة في حال مخاض لا يستطيع الأردن البقاء بعيداً عنها...

تعليقات

اكتب تعليقك