‫حسين الراوي: مساكين نحن الكُتاب فحينما نكتب ننتقد شيئاً سلبياً عند الشعب يستاء ويغضب مِنّا الشعب وحينما نكتب ننتقد شيئاً سلبياً عند الحكومة تستاء وتغضب مِنا الحكومة!‬

زاوية الكتاب

كتب حسين الراوي 1305 مشاهدات 0


مساكين نحن الكُتاب، فحينما نكتب ننتقد شيئاً سلبياً عند الشعب يستاء ويغضب مِنّا الشعب، وحينما نكتب ننتقد شيئاً سلبياً عند الحكومة تستاء وتغضب مِنا الحكومة!

هذا لأنّ الشعب يرى نفسه معصوماً لا يخطئ، والحكومة ترى نفسها حكومة رشيدة معصومة لا تُخطئ، إمّا مع توجّهات ورغبات الحكومة، وإمّا مع توجّهات ورغبات الشعب!

يُريدون للكاتب أن يختار ويحدّد مكانه مع أحد الفريقين، وإلّا سيُصنّف حسب مزاج الحكومة إذا كان لا يصطفّ معها وأنه كاتب معارض، وسيُصنّف بحسب مزاج الشعب إذا كان لا يصطفّ معه بأنه كاتب حكومي!

في هذا الزمن إذا كتب الكاتب مقالاً يشدّ فيه على يد الحكومة ويشكر توجهها في أمرٍ ما، «يتضايق» البعض و«يزعل» من ذلك الكاتب، وسيرى أنه مجرد كاتب حكومي رخيص جداً لا راح ولا جاء! وهذا لأن هناك رؤوساً تحمل فكراً رديئاً، تريد من الكُتّاب أن يكونوا ساخطين على الحكومة على مدار الساعة بلا توّقف، وإلّا سيلقّبونهم بالكتّاب الحكوميين، وكل من تكلّم منهم سيقولون له: بس يا حكومي!

قبل أيام قليلة استوقفني أحد الأشخاص، وأنا أتسوّق في أحد المجمّعات التجارية، وبعد أن سلّم عليّ وحيّاني أخذ يحاورني في مواضيع مختلفة، ولم يكن لديّ حينها متسع من الوقت في الحقيقة حتى أبقى معه مدّة أطوّل، فوضّحت له بأني على موعد محدد ولابد أن أمضي إليه، فسألني ذلك الشخص قبل أن أودّعه: لماذا أنت كاتب حكومي؟ فرددت عليه بسرعة: اُدخل إلى أرشيفي في الإنترنت وتصفّحه، وستتأكد أنك أخطأت في توجيه هذا السؤال لي، فقد كتبتُ ضدّ الحكومة أكثر مما كتبت في صفّها، بل ذهبت إلى المحاكم مرات عدة بسبب هذا الأمر. ثم تركته وعلى وجهه ابتسامة صفراء.

حينما تُصيب الحكومة فلا بد للكاتب أن يقول لها لقد أصبتِ ويشكرها على ذلك، وحينما تخطئ الحكومة فلا بد أن نقول لها بصفتنا كتاباً لقد أخطأتِ وننتقدها سلباً على ذلك، وهذا هو المبدأ الذي لابد أن يكون عند الكاتب الذي يحترم نفسه وقلمه والقُرّاء، الكاتب الحقيقي المتّزن يكيل الأمور بالإنصاف والحكمة، والكاتب السخيف هو الذي يشبه منشار الجزّار الذي ليس له أي شغل آخر غير تقطيع اللحم!

في نهاية المقال أقول للعالم المتجهمة العابسة ذات النظرة السوّداوية للحياة... انصفوا الكاتب ولا تصنّفوه حسب مشتهاكم، واجتهدوا في فهم الكاتب ومهمته ووجعه وحقيقة سخريته، فنحن الكٌتّاب من الكوكب نفسه الذي أنتم تعيشون عليه.

تعليقات

اكتب تعليقك