عبداللطيف بن نخي: أكفأ وسيلة لمحاربة التجهيل الإعلامي هو القراءة والبحث عن الحقيقة من مصادر رسميّة متنوّعة
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي مارس 10, 2021, 10:51 م 961 مشاهدات 0
ما كنت لأستعرض في مقال اليوم زيارة البابا فرانسيس - رأس الكنيسة الكاثوليكية - إلى السيد السيستاني زعيم الحوزة الدينية في النجف الأشرف، لولا انتشار تغريدات داعشيّة منسوبة إلى دكتورة متحضّرة محبّة للسلام.
فرغم أهمية الزيارة، إلا أن الحاجة لاستعراض دلالاتها وأبعادها وتبعاتها قد انتفت، بسبب ما شاهدته من تغطية واسعة لمقتطفات منها، وما اطّلعت عليه من تسليط إعلامي عالمي إيجابي حول رسالتها الإنسانية.
فإلى جانب وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية العالمية، جميع الصحف المرموقة عالمياً، التي زرت مواقعها على شبكة الإنترنت - وكان من بينهاThe New York Times، The Guardian، The Wall Street Journal، The Washington Post، The Daily Mail، ... etc - تضمّنت تقريراً أو أكثر حول الزيارة، ومعظم تلك التقارير تَشَارك في إعدادها أكثر من صحافي.
القصد، أنني وجدت نفسي، وأنا أستعرض الزيارة بمقال صحافي، أشبه بمن يضيف قطرة ماء إلى بحر الدعوة إلى التعايش والسّلام ونبذ التطرّف والإرهاب.
ولكن رأيي تبدّل بعد أن اطّلعت على تغريدات منسوبة لدكتورة مثقّفة، تشتمل اتهاماً ضمنياً للسيد السيستاني، حصن العراقيين أمام الفتن الطائفية والدينية والعرقيّة، بالمسؤولية عن أحداث الاقتتال الطائفي في العراق وخرق السيادة العراقية!
فهذه التغريدات من الدلالات الصارخة على نجاح العديد من وسائل الإعلام - ومن بينها إعلام «داعش» - في إدارة الفهم في المجتمع أو هندسة التجهيل (Agnotology) بما يخدم أجندات ملّاكها. ولذلك تجدّدت الحاجة إلى بيان خطورة الدور التضليلي الذي تمارسه تلك الوسائل والمجموعات الإعلامية التقليدية والمستحدثة.
أكفأ وسيلة لمحاربة التجهيل الإعلامي هو القراءة والبحث عن الحقيقة من مصادر رسميّة متنوّعة.
وأهمية هذه الوسيلة تتضاعف كلما تفاقم التناقض بين الآراء والمعلومات المطروحة.
فعلى سبيل المثال، المعلومات والآراء السياسية تجاه الأحداث التاريخية والمعاصرة غالباً كثيرة التناقض، واستكشاف حقيقتها يتطلّب البحث في مصادر عديدة ومن مدارس واتجاهات متنوّعة.
ولذلك أدعو الدكتورة وغيرها إلى الاطلاع على الأدوار المفصلية التي قام بها السيد السيستاني منذ إسقاط النظام البعثي في عام 2003 وإلى اليوم، وذلك في ثلاثة أبعاد: تحصين السيادة العراقية من سلطة القوات الأميركية بعد إسقاط النظام البعثي ومن سطوة المقاتلين «الدواعش» قبل قرابة ست سنوات، وتأسيس دولة مدنية دستورية في العراق، وإنقاذ المجتمع العراقي بجميع أطيافه من الانجراف مع سيول المؤامرات الطائفية. مع التأكيد على ضرورة التنوّع في مصادر البحث والاطلاع، وعدم الاكتفاء بما تتناقله الوسائل الإعلامية، التي في سنة 2014 اعتبرت مقاتلي «داعش» ثوّاراً ضد الفساد الحكومي.
في المقابل، أبسط دليل متاح حالياً لإثبات تحرر دعاة التسامح الديني الكويتيين من أطر التجهيل الفكرية التي قيّدتنا بها جماعات سياسية ووسائل إعلامية مشبوهة، هو استنكار قرار إدارة الجنائز في البلدية بمنع أي تجمع بين القبور ووضع كراسي أو غرس أشجار، وذلك بعد يومين من انتشار مقطع فيديو يظهر ممارسة البعض لهذه الأفعال.
ولكن التجارب السابقة تؤكّد أن أغلب هؤلاء الدعاة سيتجاهل القرار، ويبرر تقاعسه بحجج واهية وعناوين مغلوطة كدرء الفتنة.
وهو الذي بموقفه السلبي يزيدها لهيباً، كما حصل خلال مرحلة سابقة انتهت قبل قرابة عشر سنوات.
ولذلك، وحتى لا نتدرّج مرة أخرى إلى مستنقع الاحتقان، أدعو مناصري التسامح الديني الكويتيين إلى تصحيح مفهومهم لدرء الفتن، من خلال الاطّلاع على تصريح الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي حول قرار إدارة الجنائز الأخير، حيث جاء فيه: «قد يكون عند البعض اعتقاد بشبهة في زيارة القبور أو قراءة الأدعية، ولكن هذا اعتقاد يخصهم، ولا يجوز استخدام سلطان الدولة لتغليب عقيدة جماعة على جماعة أخرى»... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
تعليقات