محمد الرميحي: في تقديري أن التصويب على الخليج يعمّ ولا يخصّ وبالتالي علينا أن نُصلح بيتنا وما بيننا وأن نعرف أن الفُرقة مدخل للضعف ومن ثم الاختراق
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي مارس 6, 2021, 10:18 م 651 مشاهدات 0
وضعت على حسابي في «تويتر» ليوم واحد سؤالاً وطلبت من المشاركين أن يجيبوا عنه بإحدى الإجابات: إما «موافق» وإما «غير موافق» وإما «لا رأي لي في الموضوع»، والسؤال كان: «رائحة غير طيبة في أوساط الإعلام العالمي أو معظمه على الأقل ويرددها البعض في وسائل التواصل مفادها تكبير الحبّة في دول الخليج إلى أن تصبح قبّة، وتصغير القبّة في دول إقليمية مجاورة حتى تصبح حبّة...» وانتظرت الإجابة، فكان 82% من المشاركين موافقين و8% غير موافقين و10% لا رأي لهم في الموضوع.
لا أدّعي أن النتيجة علمية تماماً، فغياب استطلاعات الرأي المنظمة لدينا يكون بديلاً لها الاجتهاد الفردي هو الأقرب والمتاح. والنتيجة السالفة الذكر هي مؤشر لما يشعر به أبناء الخليج جراء «الهجمة» من صانع المحتوى في وسائل الإعلام العالمية وتلك الدولية الناطقة بالعربية، والتوجه أو حتى الإصرار إلى إخراج أي قصة اجتماعية أو سياسية ولو كانت عادية، من سياقها، كأنها قضية إنسانية تصيب الكون بخلل وتزعج البشرية، مع أن صانع المحتوى ذاك لو أطلّ من شبّاك مكتبه في تلك العاصمة الكبيرة لَوجد صوراً من ممارسات تشابه إنْ لم تفُق ما ظل ينتقده طوال برنامجه مع ضيوفه المنتقين من دول مختلفة ليسوا بعيدين عن أجندات خاصة بهم، حتى تكاد الوجوه تتكرر. الشخص العادي قد تفوته تلك التحضيرات ولكن المهني يعرف؛ فإن أردت أن تقول شيئاً محدداً بالذات عليك استضافة هذا أو ذاك من الأشخاص لأنك تعرف ما سوف يقوله مسبقاً! خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بدول الخليج!
لا أريد أن يُفهم من السرد السابق أن مجتمعات الخليج «امرأة قيصر»، فهذه المجتمعات كأي مجتمع آخر معرّضة لارتكاب الأخطاء، ولكني أرى، من معايشة وفهم، أن الرضا الاجتماعي على المكونات والمؤسسات في دول الخليج أعلى منه بكثير في دول بالجوار، وأكاد أقول بعض دول في العالم.
إن أخذنا مؤشر حقوق الإنسان نجد أن تلك الوسائل اتخذت من مرض فتاة خليجية تهتم بها أسرتها على أنها «مسجونة قسراً» و«عليكم أن تؤكدوا لنا إن كانت حية أو ميتة»... ولم يلتفتوا، في محاولة لإرغام العامة على النظر إلى زاوية رؤيتهم، إلى أن ما يستندون إليه هو شريط مسجّل من تلك الفتاة لمن وصّفوهم بجمهورها، فكيف يمكن أن تكون سجينة وبحوزتها الوسائل التي تربطها بالعالم؟ وقِسْ على تلك الأمثلة.
عدد آخر من الأمثلة يكبر ويصغر حسب تكييف صانع المحتوى في هذه المؤسسة الإعلامية أو تلك، معظمه في نطاق التمنيات. فوق ذلك يأتي من المزايدين ومن يوصّف نفسه «معارضاً» في الخارج للاستشهاد بصحيفة هامشية أو رأي أحادي نُشر هنا أو هناك لإقناع جمهوره بأن ذلك النقد الذي يتبناه قد قيل من «ثقات» عطفاً على موقف يعتقد أن كل ما يأتي من الآخرين هو صحيح لا يقبل النفي ولا حتى الشك!
أرى أن هناك على الأقل ثلاثة قطاعات تسهم في حفلة التصويب؛ الأول من لديهم نقص معرفي خصوصاً العاملين في وسائل الإعلام، فهم يعتمدون معلوماتهم القشرية عن هذه المجتمعات مما يكتب الهواة ويشكلون موقفاً أخلاقياً من دون فهم معمّق ولا منهجية مقارنة، يبنون مواقفهم على كتابات قد لا تكون علمية أو حتى محايدة، مجرد أفكار مبتدَعة لا يشهد بها علم أو على هدى أو كتاب منير، وهم منتشرون في أعمدة الصحف وعلى برامج النقاش، وبعضهم يصل إلى أن يصف نفسه بأنه خبير. ومن تجربة، فإن إقليم الخليج ربما هو أكثر منطقة كُتب عنها وأقل منطقة معروفة على حقيقتها، وهي مجتمعات ليست مرتبطة بالنفط، فقد وُجدت قبله وستظل بعده. تلك هي المجموعة الأولى، أما الثانية فهي التي تعتقد أن هذه المجتمعات لا تستحق كل تلك الثروة، وهي ثروة كان الأجدر أن تكون لـ«المتحضرين» أو كما قال أحد الكتًاب العرب المشهورين لـ«الأرض الخضراء» وليست لـ«الأرض الصفراء»! وهو موقف ينمّ عن استعلاء واهم وفقر في المعرفة الإنسانية وربما ينسجم بعضه مع موقف «عنصري» من نوع ما! أما الثالثة فهي مَن تعتقد أن كل ما هو موجود يجب أن يُزال ويُغيَّر، والبديل لديهم تجربة «ثورية» كما يحدث في إيران. وعند المناقشة العقلية مع هذه الفئة تجد أن إفلاساً فكرياً قد أصابها، فما يحدث في إيران، وإن قال بعضهم إن جناحهم قد امتد إلى لبنان وسوريا واليمن والعراق، فالنتيجة واضحة للعيان؛ قمع وكتم للأنفاس وفقر وتخلف وخراب الأوطان... فذلك المشروع بالمقارنة هو دمار للمجتمعات يحتاج إلى عقود طويلة لإصلاحه إن توفرت أدوات الإصلاح.
تلك هي الشرائح الثلاث، فما الموقف أمام هذا الجو من الاستهداف؟ ويبرز تساؤل: كيف تمكن معالجة هذا التضليل؟ والإجابة عنه: هي همٌّ مشترك لنا جميعاً في هذه البقعة من العالم، لعل أهمها هو النظر إلى موضوع الإعلام على أنه بالأساس تقديم معلومات دقيقة وشفافة للناس، إعلامنا فيه شوائب كثيرة وما زال متمسكاً بالمدرسة القديمة التي ربما تسيء لإنجازات المجتمع أكثر مما تُحسن إليها، فالشيفونية الوطنية (ادّعاء الإنجاز المبهر) ليست قابلة للتصديق، ومنع المعلومات أو التكتم عليها لم يعد يناسب العصر، فلا سر يبقى في الخفاء في عصرنا. لا أريد أن أقلل من شراسة الهجمة والاستهداف، فهي قادمة من أكثر من جهة. هناك الإسلام الحركي وليس من الفطنة التقليل من مضارّه، فهو موجود ومنظّم ولديه الكثير من الموارد ويسهم البعض فيها من دون علم، وقوى معادية متشبثة بأفكارها ذات البعد الواحد، بسبب تكوينها الثقافي السابق والراسخ وتقف معارضةً أمام مشروعات التحديث، وهناك قوى خارجية لا تكتم نيتها في الإضرار بما هو قائم ومحاربته، كما أن علينا الانتباه إلى أننا في عصر أفضل تسمية له أنه (عصر «تويتر» و«واتساب» و«كلوب هاوس») وفي هذه الوسائل الثلاث يجري تدمير العقل الوطني، وإشاعة كمٍّ من المغالطات ينشط فيها أفراد وجماعات منظمة بل أجهزة دول، كل ذلك يقع على أفئدة وأبصار كثيرين لديهم ضعف مناعة معرفية بسبب فقر التعليم النوعي الذي لا يؤهل كثيرين لفرز الصالح من الطالح من خلال تعلم منهجية علمية وعقلية متسائلة. والمؤسسات الخليجية ذات الصلة مطالَبة بتدارس الأمر بجدية، فأول اختراق لأمنها واستقرارها هو الاستحواذ على بعض عقول أبنائها.
آخر الكلام:
في تقديري أن التصويب على الخليج يعمّ ولا يخصّ، وبالتالي علينا أن نُصلح بيتنا وما بيننا وأن نعرف أن الفُرقة مدخل للضعف ومن ثم الاختراق.
تعليقات