‫مبارك الدويلة: حان الوقت لإلغاء الجهاز المركزي الذي أصبحت مواقفه وقراراته وصمة عار في جبين الوجه الإنساني للكويت فهذه الفئة محتاجة اليوم إلى قرار سريع وجريء يحفظ لهم ما تبقى من كراماتهم‬

زاوية الكتاب

كتب مبارك فهد الدويلة 614 مشاهدات 0


كنت أرغب بالكتابة عن ذكريات الاحتلال والتحرير، أو عن مشروع الحكومة باستخدام أموال احتياطي الأجيال القادمة لسد عجز الميزانية، أو عن موقفي من بعض الأحداث السياسية التي أشغلت الشارع في الأسبوع الماضي، لكنني لم أستطع أن أتجاوز حادث وفاة طفل من فئة البدون انتحاراً!

قد يبادر المتحدث باسم مجموعة الثمانين بكتابة post يتهمني بالتكسب السياسي بدماء الأطفال على حساب النسيج الاجتماعي الكويتي! كما يكتب دائماً منسق المجموعة كلما حدثت جريمة في حق هذه الفئة، وبصراحة، هذا الأمر لا يهمني اليوم في موضوع الطفل الذي انتحر قهراً ويأساً من الظرف الذي تعيشه عائلته! فمهما قال القائلون عن أسباب الانتحار الكارثي، فالذي لا أشك فيه أن سياسة الجهاز المركزي للبدون هي السبب الأول والأخير ليس فقط في انتحار الطفل، بل في انتحار الشباب والشياب من البدون قبل ذلك!

لقد حذرنا في مقالات عدة من الوضع الكارثي والمأساوي الذي تعيشه هذه الفئة، وقرعنا ناقوس الخطر من تداعيات خطيرة محتملة لهذا الوضع، وطالبنا العاملين في الجهاز المركزي بسرعة التصرف قبل فوات الأوان، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد استمر الجهاز المركزي في منع تجديد عشرات الآلاف من البطاقات الأمنية للبدون، مما يعني حرمانهم من العمل والعلاج والدراسة وقيادة السيارة والسفر، بل وصل الأمر إلى مطالبة الجمعيات التعاونية بإنهاء خدمات من يعمل لديهم ممن لم يجدد بطاقته الأمنية، ومطالبة لجان الزكاة والجمعيات الخيرية بحرمانهم من أي مساعدة لوجه الله، وهم يعلمون جيداً أنه في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجر، دون الالتفات إلى الانتماء والجنسية، كما أنهم يدركون جيداً أنهم بذلك يتسببون بالموت البطيء لمئات العوائل من البدون!

اليوم، وبعد هذه المأساة لم تعد الكويت بلداً للإنسانية، ولا يحق لها أن تكون كذلك بسبب تصرفات وقرارات هذا الجهاز التي لا علاقة لها بالإنسانية بأي شكل! لذلك حان الوقت للمسؤولين في الكويت أن يوقفوا هذا الجهاز ويحلّوه قبل استفحال الأمر إلى أكبر من ذلك!

لماذا يتناسى القائمون على الجهاز أن البدون بشر، لهم حق العيش الكريم حالهم حال الجنسيات الأخرى؟ لماذا يريد الجهاز من البدون أن يقروا بانتمائهم لدول لم يسمعوا بها من قبل؟ لماذا يجبرونهم على استخراج جوازات لدول لا يعرفون مكانها على الخريطة؟

إذا كان لدى القائمين على الجهاز أدلة بانتماء مئات من هؤلاء إلى العراق أو السعودية أو إيران فليحيلوهم إلى القضاء ويثبتوا صحة ادعاءاتهم الباطلة! وليعلم أن هناك عشرات الآلاف لا يعرفون انتماء لغير هذه الأرض الطيبة!

هل يعلم الجهاز المركزي للبدون ومن فيه أن بعض المصابين في موكب أمير الكويت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي مازالوا «بدون»؟! وأن من أسقطوا الطائرة العراقية بالغزو العراقي وكانوا برفقة الشيخ عذبي مازالوا «بدون»؟ وهل يعلم الأخوة في الجهاز المركزي أن بعض من ثبت تواجدهم في الكويت بالأربعينات مازال أبناؤه مواليد الكويت محرومين من تجديد بطاقاتهم الأمنية بحجة أن والدهم جاء إلى الكويت قبل ثمانين عاماً من العراق، ولابد من استخراج جوازات عراقية، وهم لم يغادروا الكويت بتاتاً! التعامل الإنساني مع البشر الموجودين على أرض الكويت واجب شرعي وقانوني وأخلاقي وإنساني! ولا حجة بتاتاً للضغط عليهم بهذه الطريقة لإجبارهم على استخراج جوازات يتم شراؤها بالمال!

حان الوقت لإلغاء هذا الجهاز الذي أصبحت مواقفه وقراراته وصمة عار في جبين الوجه الإنساني للكويت، وتحويله إلى إدارة تابعة لوزارة الداخلية، فهذه الفئة محتاجة اليوم إلى قرار سريع وجريء يحفظ لهم ما تبقى من كراماتهم، وأتمنى ألا أسمع من يدعي أن هذا الإجراء يمنعهم من استخراجهم لجوازاتهم الأصلية، فها هو التضييق عليهم منذ سنوات عدة لم يزد الوضع إلا تفاقماً، وهذه أعداد «البدون» في ازدياد!

فهل تبادر الحكومة مشكورة إلى إنهاء هذه المأساة؟!

تعليقات

اكتب تعليقك