داهم القحطاني: هناك محاذير عدة يجب الانتباه لها فيما يتعلق بما يصدر من رسائل مشبوهة كثيرة ينشرها مجهولون وتستهدف تغييب الرأي العام أو إثارة قضية فضائحية لتغييب قضية أهم
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني يناير 25, 2021, 11:13 م 399 مشاهدات 0
كالعادة رأينا من يحرص على خلق حالة من الفزع عبر النشر المكثف لمقالات غير معروفة المصدر في تطبيق الواتس أب، تفيد بأن مجلس الأمة سيتم إبطاله لأن الحكومة التي أصدرت مرسوم الدعوة إلى الانتخابات غير شرعية، لأنها لم تقسم أمام الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
المقصود هنا الحكومة التي تشكلت برئاسة صباح الخالد بتاريخ 29 نوفمبر 2019، وقدمت استقالتها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة في 7 ديسمبر 2020.
هذا الفهم الذي قدم في رسائل الواتس أب المشبوهة بشكل مغلوط، كان في الأصل محل طعن في نتائج انتخابات مجلس الأمة، تقدم به أحد المحامين للمحكمة الدستورية بصفتها محكمة طعون انتخابية، لكن المقالة التي انتشرت في تطبيق الواتس أب تضمنت حبكة قصصية أضافت وقائعَ لم تحصل، والهدف بالطبع خلق حالة من الفزع لدى النواب والمواطنين، مما قد يترتب عليه القيام بالتهدئة في الملفات الانتخابية الأهم، وهي قانون العفو الشامل، وتشكيل لجنة تحقيق في وقائع الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة.
الغريب أن من صاغ هذه الحبكة في رسائل الواتس أب المشبوهة لم يضع اسمه بالطبع تهرباً من المساءلة القانونية، لأنه وببساطة يروّج لمعلومات مغلوطة تهز كيان الدولة إن صدقت.
قبل تفنيد الأفكار التي قام عليها الطعن الانتخابي، الذي تقدم به المحامي السالف الذكر، من المهم جداً التحذير مما قد ينشر في تطبيق الواتس أب، وغيره من التطبيقات من مقالات ومقاطع تخالف القانون، وتتضمن تلاعباً في الوقائع، وتشويهاً للحقائق يستهدف أغراضاً سياسية محددة، منها على سبيل المثال تفكيك الأغلبية النيابية في البرلمان، أو إطاحة رئيس الوزراء أو الوزراء، أو الانتقام من قيادات وظيفية تؤدي أعمالها بالأمانة والصدق.
إذاً هناك محاذير عدة يجب الانتباه لها فيما يتعلق بما يصدر من رسائل مشبوهة كثيرة ينشرها مجهولون، وتستهدف تغييب الرأي العام، أو إثارة قضية فضائحية لتغييب قضية أهم.
وهي رسائل تصل إلى عشرات الآلاف من مستخدمي تطبيق واتس أب بسهولة، وبطريقة منظمة عبر مئات المجموعات، قوائم المراسلة في تطبيق الواتس أب، والتي تحترف هذه المهمة، وتستهدف أن يكون من بين أعضائها كتّاب مشهورون ومغردون مؤثرون.
وبالطبع توزيع هذه الرسائل المشبوهة يتم عبر أسلوب «كما وصلني»، وهو أسلوب قد يُفهم منه مجرّد نقل الرسالة، إلا أنه وفي واقع الحال ترويج فعلي لهذه الرسائل.
لمن يهوّن دائماً من أي رصد لظواهر سلبية بالقول إن هذا الرصد ليس سوى تبنٍّ لنظرية المؤامرة، نقول إن تطبيق الواتس أب متهم رسمياً من قبل السلطات البرازيلية بتسهيل إثارة البلبلة خلال انتخابات عام 2017 الرئاسية، من أجل توجيه الرأي العام البرازيلي لينتخب المرشح اليميني المقرب من الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب جايير بولسانورو، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للبرازيل.
في ذلك الحين تم اكتشاف، ولكن بعد فوات الأوان، مئات الآلاف من رسائل الواتس أب، التي انتشرت في عموم البرازيل، وبطريقة غير معروفة، وهي تحمل معلومات ضخمة مشوهة ضد خصوم بولسانورو، وكان حجم تدفق هذه الرسائل هائلاً، بحيث لم يتمكن المستهدفون بهذه الرسائل من الرد في الوقت المناسب.
فوز المرشح البرازيلي المقرب من الإدارة الأميركية وترامب، تم بطريقة مشابهة للطريقة التي فاز بها ترامب، وهي ترويج معلومات مضللة عبر موقع الفيسبوك، الذي يمتلك أيضاً تطبيق الواتس أب، وهكذا وبفضل الفيسبوك وتدخلاته وتدخلات تطبيقاته الأخرى تم التلاعب بنتائج الانتخابات في الولايات المتحدة، وفي البرازيل، وتم الإتيان برئيسين غريبي الأطوار من أهم قراراتهما الدعم الكامل للشركات الرأسمالية الكبرى.
هذه لعبة كبرى للأسف وجدت رواجاً كبيراً لدى مؤسسات الفساد في العالم، ويبدو أنها وصلت أخيراً للكويت، وقد ابتدأت ملامحها بالظهور، إما عبر التوزيع الضخم للرسائل المشبوهة غير معروفة المصدر، أو عبر التلاعب في آليات الوسوم (الهاشتاقات) في الكويت عبر عشرات الآلاف من الحسابات الآلية التغريد، التي تنتحل أسماء مواطنين وصورهم، أو عبر الحسابات التي تتخفى بأسماء وهمية، وصور معرفات تعبيرية، من أشهرها صور سمو الأمير، أو صور علم الكويت، للإيحاء بقربها من الرأي الرسمي للدولة.
إذاً هناك عبث يمارس عبر تطبيق الواتس أب يجب الانتباه له ورصده ومعالجته، فنحن هنا لا نتحدث عن نظرية مؤامرة، ولا نتحدث عن دعوة للتضييق على التقنيات الحديثة التي تتيح مزيداً من الحريات العامة، بل نتحدث تحديداً عن استخدام سيّئ للتقنيات الحديثة، الأمر الذي قد يعرض الحريات العامة الضرر.
حدث هذا في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وحصل في الانتخابات البرازيلية عام 2017، وها هي بوادر هذا العبث التقني في العمل السياسي تصل إلى الكويت بشكل واضح.
الخطورة في الموضوع أن هذا العبث يحصل في تطبيقات اتصالات خاصة يحمي الدستور سريتها، وهو ما يجعل المعالجة تكون أصعب، فلا نحن ولا أحد غيرنا يرغب في تعريض هذه السرية للانتهاك، وربما كانت هذه النقطة الأهم التي جعلت هؤلاء العابثين يستغلون تطبيق الواتس أب، وليس الرسائل القصيرة، فهم يريدون عبثاً غير خاضع للقانون، وقادراً على تجاوز التقنيات.
معالجة ذلك ليست بصعبة، فالتحريات الأمنية تستطيع رصد مصادر تلك الرسائل المشبوهة من فحواها، ويمكن حينذاك التعامل معها كواقعة محددة خاضعة للرقابة بإذن من النيابة العامة.
ويمكن كذلك لأعضاء مجلس الأمة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة يعينها البرلمان، وتضم سياسيين مستقلين وتقنيين، مهمتها إعداد تقرير مفصل عن هذه الانتهاكات الجسيمة بالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة.
أما الرد على الطعن الانتخابي القائم على فكرة أن مرسوم الدعوة لانتخابات مجلس 2020 صدر من حكومة غير شرعية، بسبب عدم قسمها أمام الأمير الذي صدر في عهده هذا المرسوم، فهذا الرد سيكون في مقال لاحق إن شاء الله.
تعليقات