أحمد الصراف: عندما يصبح «التعبان» كذاب فإن الرد عليه مضيعة للوقت!
زاوية الكتابكتب أحمد الصراف يناير 19, 2021, 10:32 م 384 مشاهدات 0
يقول السيناريست والروائي الأميركي الشهير جورج مارتن:
لقد عشت آلاف الحيوات، وأحببت آلاف المرات، ومشيت لمدن بعيدة جداً، وشاهدت نهايات الأوقات.. وحدث كل ذلك لأني أقرأ!
***
لا أعتقد أن أمراً أكثر أهمية قرر مسار حياتي وشكل أفكاري، وجعلني الإنسان الذي أنا عليه، كالقراءة. فقد نقلتني هذه الهواية الصعبة نوعاً ما، لعوالم ما كنت أحلم بها أو حتى أتصور وجودها، ومدى روعتها. عوالم من البشر، سمر وحمر وبيض وشقر، طوال وقصار وألوان وعيون لا حدود لها ولجمالها وغرابتها في الشكل والتصرف. تماثيل ولوحات وأشكال تنظر لها وتتلمسها بخشوع، وأغان رائعة تشنف الأذن تسمعها لساعات دون ملل، وأطعمة غريبة تتذوقها لم تتخيل يوماً مدى روعتها، ومخارج كلمات لغات جميلة وغريبة لمختلف الشعوب، تجعلك تتساءل عن الكيفية التي تكونت على مدى آلاف السنين، وأصبحت مع الوقت وعاء ثقافة كل شعب، هذا غير الاستمتاع بفنون مختلف دول العالم الأخرى وألوان أزيائهم وغريب منتجاتهم، ومعرفة آمالهم وأحلامهم، وحتى مخاوفهم وما يقلقهم.
***
القراءة هي أفضل رحلة كرويز يمكن تخيلها على باخرة ضخمة فخمة تنقلك إلى مختلف زوايا العالم لتستمع بكل ثرائه البشري، من دون أن تغادر كرسيك الوثير.
القراءة هي التي فتحت عقول وأذهان الملايين، وحررتهم من قيود التقاليد البالية وأطلقت العنان لما بداخلهم من إبداعات، وهي اليد التي فتحت نوافذ العلم والمحبة والسلام والشوق أمام القارئ، وجعلته يشعر بصدق أن عالمنا جميل، ولكل فرد في هذا العالم الشاسع، معنوياً وجغرافياً، شخصيته ودينه ومعتقده وطعامه ولباسه وشرابه وشكله وموسيقاه وفنونه ورواياته، وعلينا جميعاً التعايش معها واحترامها، وربما الاستمتاع بها أيضاً، إن أردنا من العالم أن يحترم فنوننا ومعتقداتنا ولباسنا وطعامنا.
إن الكوارث البيئية والصحية التي تصيب البشرية بين الفترة والأخرى بينت لكل صاحب فكر وعقل وبصر وبصيرة ومنطق وخلق أننا نعيش جميعاً في قارب واحد، ومصيرنا واحد، ومن السخف بالتالي، بل من الغباء، الاعتقاد أننا أفضل من غيرنا، أو أننا نتميز بشيء فريد عنهم، أو أننا أفضل عقيدة منهم وأقرب للسماء. فنحن جميعاً متساوون في خوفنا من الموت وفي سعينا للاستمتاع بالحياة بقوة، وفي الرغبة في إطالة أعمارنا وبأن نكون أصحاء وأقوياء، وأن نكون أجمل شكلاً وخلقاً، ولم تنجح أي عقيدة في أن تجعل البشر خلاف ذلك، وهذه قمة المساواة.
ولهذا وبسبب كل هذا، لا يشجع أي رجل دين، جاهل أو متعصب، ولأي عقيدة انتمى، اتباعه بالقراءة، خوفاً من أن تنفتح عيونهم على جمال إبداعات الآخرين، وتتسع آفاق أفكارهم، ويتعرفوا أكثر على غيرهم من الشعوب، فيتأثروا بهم ويتسامحوا ويتعايشوا معهم، وهذا ما لا يريده هؤلاء، لأنه يضر بمصالحهم، ويقلل من مكانتهم، وسخيف هيبتهم.
***
ملاحظة: عندما يصبح «التعبان» كذاب، فإن الرد عليه مضيعة للوقت!
تعليقات