‫حسن العيسى: استثمروا في صناديقكم المغلقة على الأرواح الحرّة لن تجدوا عوضاً عن صندوق "الحمد لله مو ناقصنا شي" أبشروا بغد عكر يشبه فكركم‬

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 399 مشاهدات 0


المجون هو عبث ولهو -حسب أحد القواميس- وهو خروج عن القواعد الاجتماعية والسلوكية لمجتمع ما في زمن ما، وأيضاً يعد مجوناً كل محاولة للخروج من نمطية الحياة وسأم الأيام، حين يصبح الوجود الإنساني محكوماً بتكرار قاتل يخنق روح الإبداع والتطور.

فالفنون؛ مثل الرسم والنحت، وحتى الكثير من شعر الإبداع، مثل قصائد عبدالحميد الديب ونجيب سرور في مصر خلال زمن مضى، ومظفر النواب وقبله عبود الكرخي في العراق، كل عملهم الإبداعي هذا يُعتبر مجوناً عند مجتمعاتهم في زمنهم.

وفي الكويت شعراء مثل فهد العسكر وفهد بورسلي، ويسبقهما ابن لعبون، يعدّ الكثير من شعرهم مجوناً يخرق "نواميس" حرّاس وسدنة العادات والتقاليد.

في ليلة رأس السنة الجديدة، انطلقت حناجر عدد من النواب المحافظين -ليسوا كلهم وإنما المتفرغون منهم- في سلوك المزايدات لاستعراضات "شو" العادات والتقاليد، تناشد وتتوعد وزيري الداخلية والإعلام بوقف ومحاسبة أحد الفنادق الذي أقام حفلاً بمناسبة رأس السنة، وسارع القائمون في كلتا الوزارتين بتلبية مناشدات هـؤلاء النواب، حتى ينال الوزيران بركات المدح والشكر من نواب الفضيلة.

ما يُعد مجوناً في مجتمع ما، أو في زمن معيّن، لا يعتبر كذلك في مجتمع وزمن آخرين، لكن ما العمل هنا، وبعد عشرات السنين من إبداعات عصر الثروة والنفط الزائلين وغياب حتمي لمصادر أخرى للدخل القومي؟!

ما العمل حين تصبح الفرحة مجوناً والبسمة حراماً؟ ما العمل هنا، حين تصير البهجة جريمة يحاسَب عليها؟

فكرة تبدّل وتغيّر الزمان ليس لها مكان عند المتخشبين الذين يرون أن الديمقراطية -وكأن هناك ديمقراطية حقيقية في هذا البلد- هي "صندوق" انتخابات فقط، وبمقتضى هذا الصندوق يصبح من حق "الأغلبية" فرض تصوراتهم على الغير، الذين هم في حكم الماجنين، وانتهت مسرحية الرياء كالعادة بما يرضي حسبة بني نفط.

عندنا، لا تصدقوا أن لدينا صندوق انتخابات، وإنما عندنا صندوق إملاءات تُفرض من جماعات محددة على "الماجنين" المختلفين عنهم في نهج حياتهم.

صندوقكم ليس صندوق الديمقراطية، وإنما هو زنزانة يخشى حراسها الخروج من كهف أفلاطون، فهم لا يصدقون أن هناك عالماً آخر فيه ضياء ونور خارج الكهف، فتم تقييد الزمن بسلاسل الخوف والسأم، فتحيّة لهؤلاء السجناء وحراسهم معاً، ابقوا في صناديقكم، لا تفكروا خارجها وسيروا مع القطيع، إلى مجزرة الإفلاس القادمة حتماً.

استثمروا في صناديقكم المغلقة على الأرواح الحرّة، لن تجدوا عوضاً عن صندوق "الحمد لله مو ناقصنا شي"، أبشروا بغد عكر يشبه فكركم.

تعليقات

اكتب تعليقك