الحركة التقدمية الكويتية: مناقشة صريحة لورقة الغرفة
محليات وبرلمانالآن - وكالات ديسمبر 30, 2020, 9:57 ص 163 مشاهدات 0
أصدرت غرفة تجارة وصناعة الكويت ورقة تحت عنوان “إنّ وطننا في خطر” نشرتها الصحافة المحلية على صدر صفحاتها الأولى كإعلان مدفوع بالإضافة إلى نشرها كمادة تحريرية داخل الصحف، وأوضحت الغرفة في إشارة لها أنّ هذه الورقة إنما تدور “حول التبعات الوطنية والاقتصادية الخطيرة التي تترتب على الاستمرار في تأجيل الإصلاح، والتي يمثّل تخفيض التصنيف الائتماني السيادي نذيراً مقلقاً لها”.
وقد أطلعنا في اللجنة المركزية للحركة التقدمية الكويتية باهتمام بالغ على ورقة الغرفة، التي تتضمن قضايا وتوجهات واقتراحات نرى أنها جديرة بالمناقشة والتعليق عليها وإبداء وجهة نظرنا حولها من منطلق كوننا حركة سياسية تقدم نفسها معبّرة عن مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية، ناهيك عن أنّ القول المحمود في تواضعه الذي ذكرته الورقة من أنّ “غرفة تجارة وصناعة الكويت لا تدعي أبداً القدرة على إيجاد المخرج ورسم خارطة الطريق، فهذه مهمة لا يمكن أن ينهض بها إلا توافق وطني تتعاون في إطاره السلطات الثلاث، وقوى الحراك السياسي، ومنظمات المجتمع المدني”، يحثنا بالضرورة على مناقشة هذه الورقة.
ونبدأ بالقول إنّ المجتمع الكويتي شأنه شأن أي مجتمع بشري آخر تجمعه بالضرورة قضايا واهتمامات وتحديات وطنية عامة، ولكنه في الوقت نفسه مجتمع منقسم إلى طبقات اجتماعية ذات مصالح ومواقع اقتصادية مختلفة ومتنوعة، بل ومتناقضة أيضاً، فاهتمامات رجال الأعمال وأرباب العمل تختلف بالضرورة عن هموم الموظفين والعمال، ومصالح التجار وملاك العقار تتعارض مع مصالح المستهلكين والمستأجرين، بل أنّه حتى ضمن الطبقة الاجتماعية الواحدة تكون هناك مصالح متفاوتة ومتباينة، فأصحاب المصانع المحلية لديهم مطالب لا تتوافق مع مصالح أصحاب الوكالات التجارية وشركات الاستيراد من الخارج، وبالتالي فإنّ ما تطرحه غرفة تجارة وصناعة الكويت في ورقتها هذه أو في غيرها من البيانات والمذكرات وما ترفعه من مطالب وما تدعو إليه من توجهات من موقعها كممثل للقطاع الخاص والشركات الرأسمالية ورجال المال والأعمال وأرباب العمل، تتناقض مع ما تطرحه النقابات العمالية على سبيل المثال، وهي بالضرورة تتعارض مع ما نراه نحن في الحركة التقدمية الكويتية، ليس بسبب اختلاف المرجعيات والاجتهادات الفكرية فحسب، وإنما بالأساس بسبب اختلاف المواقع والمصالح الاقتصادية والاجتماعية الطبقية، وهذا ما يتضح في العديد من القضايا مثل الموقف تجاه الخصخصة، أو الموقف تجاه أنواع الضرائب من حيث كونها عادلة اجتماعياً أم ضرائب غير عادلة اجتماعياً.
وأما من حيث التفاصيل والنقاط الواردة في ورقة الغرفة فيمكننا قول التالي:
أولاً: قد نجد في ورقة الغرفة قضايا وعناوين محل اهتمام مشترك، ومن بين ذلك ما جاء حول الطبيعة الريعية للاقتصاد، و”الاختلالات الهيكلية الأساسية الثلاثة” خصوصاً: ضيق القاعدة الانتاجية، وانحراف التركيبة السكانية، ولكننا نختلف معها في تشخيص ما أسمته “هيمنة القطاع العام”، ونرى أنّ الخلل لا يكمن فيما يسمى هيمنته، وإنما يكمن الخلل في سوء إدارة القطاع العام، لأن المطلوب في نظرنا هو إصلاح إدارته وليس تصفية وجوده، ونضيف إلى ما أوردته الغرفة خلل رابع هو فشل القطاع الخاص في المساهمة الجدية في التنمية، خصوصاً أنّ ورقة الغرفة لا تنكر “اعتماد الأنشطة الاقتصادية على الإنفاق العام”، وهو ما نسميه بوضوح اتكال القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي، كما أننا قد نتفق بشكل عام مع عدد من العناوين الواردة في ورقة الغرفة حول “تضخم الإنفاق العام الاستهلاكي” و”تردي الخدمات العامة والبنية الأساسية والمؤسسية” و”تراجع مستوى التعليم”، والدعوة إلى “إصلاح العملية التعليمية إصلاحاً جذرياً”، وسطوة قوى الفساد، وضعف الإدارة العامة، بل نزيد عليها سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والمالية للدولة، ونتفق مع ما ورد من دعوات تتصل برفع القيمة الايجارية لأملاك الدولة، و”توطين العمالة في القطاع الخاص”، ولكننا نختلف مع الورقة في تشخيص العديد من هذه الاختلالات والمشكلات وتحديد أسبابها وسبل معالجتها.
ثانياً: في حديث ورقة الغرفة عما أسمته “الصدمة المزدوجة التي تلقاها الاقتصاد الكويتي جراء تداعيات جائحة كوفيد 19 وتزامنها مع الانخفاض الكبير في إيرادات النفط، مما ساهم إلى حد بعيد في تخفيض تصنيف الكويت الائتماني” فنحن في الحركة التقدمية الكويتية نرى أنّ ورقة الغرفة قد تجاهلت عاملاً بالغ الأهمية هو الموجة الجديدة من الأزمة الاقتصادية والمالية للنظام الرأسمالي العالمي التي سبقت الجائحة وتزامنت معها، وكان لها تأثيرها السلبي بالضرورة على الاقتصاد الكويتي المرتبط تبعياً بالنظام الرأسمالي العالمي… ومن جانب آخر، فإنه مع أهمية الإشارة إلى انخفاض التصنيف الائتماني السيادي، فإنّ هذا مجرد معطى من ضمن معطيات عدة، ذلك أن المشكلات الهيكلية أو الاختلالات البنيوية للاقتصاد الكويتي هي مشكلات واختلالات سابقة على خفض هذا التصنيف، بل هي موجودة عندما كان التصنيف ايجابياً، وقائمة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، وهذا ما جرى التحذير منه قبل خفض التصنيف الائتماني السيادي بعشرات السنوات.
ثالثاً: بينما تشير ورقة الغرفة إلى أنها “لا تبرئ أحداً أو جهة من مسؤولية ما نحن فيه، لأنها على يقين بأنّ كافة الأطراف دون استثناء شريكة في هذه المسؤولية فالسلطة التنفيذية، بطريقة تشكيل حكوماتها وضعف أجهزتها، شريكة في المسؤولية. والسلطة التشريعية ، باخفاقها في الانتقال الى مقاعد تمثيل الوطن كله شريكة في المسؤولية. والمواطنون على اختلاف شرائحهم الاجتماعية والمهنية والسياسية مشاركون في تعقيد وتصعيد أزمة الحرية والاصلاح والتنمية ، لاصرارهم الثابت ونجاحهم المتكرر في اعادة انتاج البيئة السياسية حسب اعتبارات العصبية والمصالح بدل معايير الكفاءة والاصلاح”، فإننا نرى في المقابل أنّ هذا القول مجانب للحقيقة وبعيد عن الواقع ولا يمكن قبوله، ذلك أنّ هناك قاعدة معروفة وهي أنّ المسؤولية تكون على قدر السلطة، ولا يمكن أن يتحمّل الجميع المسؤولية بالقدر ذاته، فمّنْ بيده سلطة أكثر تقع عليه مسؤولية أكبر… ومن جانب آخر فإنّ هذا القول ينطوي على خلط مضلل في الحديث عن مسؤولية السلطة التشريعية، فلا يمكن أن نعد مسؤولية نواب فاسدين ومرتشين وقبيضة عن فساد الأوضاع وغياب الإصلاح على مستوى المسؤولية ذاتها لنواب ذوي توجهات إصلاحية، ولا يمكن أيضاً أن نتحدث عن مسؤولية جميع المواطنين بالدرجة ذاتها، فمَنْ سرق أموال التأمينات الاجتماعية مواطن كويتي، ومَنْ شارك في العديد من جرائم غسيل الأموال مواطنون كويتيون، لا يمكن أن نعدهم سواء في المسؤولية عن فساد الأوضاع وعن “الأخطاء والخطايا والقصور والتقصير” شأنهم شأن مواطنين مجتهدين في أعمالهم وأداء واجباتهم سواءً كانوا أصحاب أعمال أو موظفين أو أطباء مجتهدين شاركوا في مكافحة كورونا أو معلمون يربون الأجيال.
ولكننا في المقابل نتفق مع ما جاء في ورقة الغرفة حول “الإقرار سلفاً بصعوبة تحديات المرحلة القادمة، وما تتطلبه من وعي وتضحية من كل القيادات السياسية والقوى المجتمعية، ومن كافة المواطنين دون استثناء، وكل حسب موقعه وقدرته وامكاناته”.
رابعاً: فيما يتعلق بالقضايا والسياسات والاجراءات التي تطرحها ورقة الغرفة، فنحن في الحركة التقدمية الكويتية نختلف تماماً حول الاستنتاج الوارد فيها بالبند أولاً تحت رقم 2 بشأن ما تحتله الخصخصة من أهمية مركزية في الإصلاح الاقتصادي وكونها تمثل شرطاً أساسياً لتعزيز دور القطاع الخاص، ونرى في المقابل أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يتوافق بالضرورة مع ما قرره دستور البلاد في المادة 20 من أن “الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون”، وبالتالي فإنّ التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص وليس تصفية النشاط العام وخصخصته هو الذي يمثل المنهجية الشاملة للإصلاح الاقتصادي، ونحن هنا لا ندعو إلى التضييق على القطاع الخاص، بل ندعو إلى تشجيعه على الاستثمار ومساعدته على العمل في المجالات الانتاجية بشرط أن يتحمّل تبعات قراراته وفشله مثلما ينتفع من أرباحه ونجاحاته، وكذلك لا بد من أن يسهم رأس المال بوظيفته الاجتماعية، التي نص عليها الدستور في المادة 16، بحيث يوفر فرص عمل كريمة للمواطنين الكويتيين ويساهم في تمويل الميزانية العامة للدولة.
خامساً: نختلف تماماً مع ما دعت إليه غرفة التجارة في ورقتها في هذا البند تحت رقم 3 بشأن خصخصة أنشطة القطاع النفطي تكريراً وتصنيعاً ونقلاً وتسويقاً، لأكثر من سبب، فنحن بدءاً ندعو إلى التمسك بالمادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 2010 بشأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص التي تنص على أنه “لا يجوز تخصيص إنتاج النفط والغاز الطبيعي ومصافي النفط ومرفقي التعليم والصحة”… ومن جانب آخر فقد لمسنا على أرض الواقع التجربة المريرة لخصخصة محطات الوقود التي كانت تابعة لقسم التسويق المحلي في شركة البترول الوطنية وما أدت إليه من إبعاد وتطفيش للعمالة الكويتية الوطنية في تلك المحطات التي تمت خصخصتها… كما أننا نتمسك شأننا شأن جميع المواطنين الكويتيين بالانجاز الوطني التاريخي العظيم الذي تحقق في العام 1975 عبر تأميم المورد النفطي وحصر أنشطته ذات الطبيعة الاستراتيجية بالدولة.
سادساً: في البند ثانياً بعنوان “من حيث الإلتزام التنموي والوطني للقطاع الخاص المتطور”، فنحن نقدّر ما جاء في ورقة الغرفة حول “فرض ضريبة الدخل على وجه التحديد والأولوية باعتبارها الضريبة التي تعزز الديمقراطية، ولا تمس جيوب أصحاب الدخل المحدود”، ولكننا نؤكد على أن تكون هذه الضريبة ضريبة تصاعدية على أصحاب الدخول الكبيرة، وضريبة على أرباح الشركات والمؤسسات الخاصة، لأنّ الصيغة الواردة قد تكون مجرد ضريبة متدنية النسبة على كل من هو فوق الدخل المحدود بغض النظر عن التفاوت في الدخل.
سابعاً: نتحفظ، بل نرفض الدعوة الواردة في البند ثانياً تحت رقم 2 بشأن “إعادة تسعير الخدمات العامة”، التي تعني زيادة الرسوم على الخدمات أو زيادة أسعار الكهرباء والماء والوقود المترافقة مع “إعادة هيكلة الدعوم وترشيدها”، مالم تكن هناك شرائح وفئات محددة معفاة من هذه الزيادات ومشمولة بهذه الدعوم تغطي بشكل واضح ومناسب أصحاب الدخول المتدنية وصغار الموظفين والعمال والمتقاعدين والفئات المهمشة والفقيرة.
ثامناً: ورد في ورقة الغرفة “أن الفساد بتجلياته الاقتصادية لا يعكس تشوهاً في القيم بقدر ما يعكس نقصاَ في الحرية الاقتصادية، وخطأ في السياسات، وضعفاً في الإدارة العامة والأداء”، ونحن وإن كنا نتفق مع جانب من هذا الاستنتاج بشأن خطأ السياسات وضعف الإدارة العامة والأداء، بل نضيف عليه عدم جدية الحكومة في مكافحة الفساد وما يلقاه الفاسدون من رعاية وحماية، ناهيك عما تحقق لهم من سطوة ونفوذ، ولكننا نتوقف أمام قول ورقة الغرفة إن الفساد يعكس نقصاً في الحرية الاقتصادية، ذلك أننا نرى أنّ الفساد في واقع الحال لا يكمن في نقص الحرية الاقتصادية وإنما يكمن في انفلات حرية القطاع الخاص تحديداً وفساده، ففساد القطاع العام إنما هو امتداد لفساد القطاع الخاص، وتكفينا أمثلة على ذلك فضائح: ضيافة الداخلية، وغسيل الأموال، والصندوق الماليزي، وقضايا النصب العقاري، وفساد تنفيذ مشروعات البنية التحتية وأشهرها تطاير حصى الشوارع، التي أوجدها بالأساس فساد بعض شركات القطاع الخاص ونجمت عن غياب الرقابة الحكومية الجادة على بعض أنشطته، وهي بالتالي لم تكن بسبب “النقص في الحرية الاقتصادية”، كما ترى ورقة الغرفة.
وفي الختام نؤكد أننا في الحركة التقدمية الكويتية في الوقت الذي نناقش فيه ورقة غرفة التجارة والصناعة ونطرح وجهة نظرنا المخالفة لها والمختلفة معها، فإننا نؤكد تمسكنا بوثيقة “المقترحات التنموية” التي قدمتها حركتنا إلى المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في العام 2018، كما أننا نرى أنّ الإصلاح الاقتصادي يمكن أن يتحقق على شكل متوازن اجتماعياً عبر الاستناد إلى الورقة البحثية الهامة المعنونة “قبل فوات الأوان” التي شارك في إعدادها 29 أكاديمياً اقتصادياً كويتياً ونشرت في أواخر شهر نوفمبر 2020، وندعو إلى الأخذ بما تضمنته من تحليل موضوعي لعناصر الخلل الاقتصادي في الاعتماد على النفط كمصدر أحادي الدخل، والاختلالات في مجالات المالية العامة وسوق العمل والنظام التعليمي والتركيبة السكانية، وما استندت إليه تلك الورقة الأكاديمية من ركائز أساسية لتصحيح هذه الاختلالات متمثلة في الاقتصاد المستدام، والشفافية ومكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، والاسترشاد بالدليل العلمي، والاستناد إلى ما طرحته ورقة الأكاديميين الكويتيين تلك من محاور الإصلاح الخمسة بشأن الاقتصاد المتنوع والمستدام، وإصلاح المصروفات العامة، وإصلاح الاختلال في سوق العمل، والاستثمار في رأس المال البشري، وإصلاح اختلال التركيبة السكانية، وغير ذلك مما ورد فيها من توصيات واقتراحات، حيث لم يرد فيها أي ذكر للخصخصة.
وبقيت كلمة أخيرة، وهي أنه لا يمكن تحقيق الإصلاح الاقتصادي من دون تحقيق إصلاح سياسي ديمقراطي يقوم على مشاركة شعبية فعلية وكاملة في اتخاذ القرار، فالإصلاح السياسي هو مدخل كل إصلاح، وما عداه هراء وعبث.
الكويت في 30 ديسمبر 2020
تعليقات