في رثاء " أطيب قلب " ... بقلم هيفا الشمري
وفياتالآن ديسمبر 25, 2020, 1:57 ص 741 مشاهدات 1
الكاتبة هيفا الشمري ترثي والدها المرحوم -بإذن الله - العم زيد محمد الشمري الذي وافاه الأجل المحتوم ، وفجع في غيابه أهله ومحبيه .
نص الرثاء ...
في صباح ذلك الإثنين كان كل شيء جميلا حيث أنني اليوم سأترك ذلك المستشفى أخيرا وسألتقي بابني الذي لم أشاهده منذ ثمانية شهور وسأعود لحياتي العادية التي افتقدتها، بدأت استعد لمغادرة مستشفى جابر الأحمد برفقة والدتي بعد فترة تزيد على ثلاثة اسابيع قضيناها بسبب اصابتها بالكورونا، وكان خروجنا على مسئوليتنا لعدم اقتناعي بالخطة العلاجية المتبعة في حالة والدتي وكون المرض مجهول العلاج فكل ما يتم عمله هو اجتهادات قد تنفع مع كثيرين ولكن في حالة والدتي لم تكن تجدي نفعا، ولقناعتي بأن وضعها سيكون أفضل بالمنزل خصوصا بوجود أفراد العائلة بجانبها فهذا عامل نفسي مهم، كما أنها تعدت أعراض المرض الأساسية كالحرارة وغيرها وبقي فقط نقص الأكسجين الذي ممكن تعويضه بتوفير ماكينة أكسجين وجهاز لمراقبة مستواه وهو ما تأكدت ان يكون جاهزا قبل عودتنا.
كنت سعيدة لخروجنا وكنت أجهز نفسي ووالدتي للخروج منذ الصباح الباكر ولكن كما تعلمون إجراءات الخروج دائما تكون طويلة أو ربما نحسها كذلك بسبب لهفتنا على الخروج، نامت الوالدة مرة أخرى لحين انجاز باقي الإجراءات، في تلك الأثناء جاءني ذاك الاتصال من أخي يطلب مني أن أبتعد عن أمي.
الإجراءات لمن لا يعرف في مستشفى جابر الأحمد في زمن الكورونا عبارة عن تعهد بالمكوث داخل غرفة ٤ نجوم لا تستطيع أن تخرج منها أو تفتح الباب أو يزورك أحد، ولا تستطيع الخروج من المستشفى أو التبديل مع شخص آخر، وإن خرجت لن يسمح لك بالعودة، طبعا كلها إجراءات احترازية من أجل سلامتنا وسلامة الاخرين، لكن لها تأثير كبير على الحالة النفسية لأولئك المرضى ومرافقيهم.
أخبرت أخي بأنه من غير المسموح أن أخرج من الغرفة، ثم لاشعوريا استدركت قائلة " أبوي فيه شي ؟ " حيث كان يرقد منذ ما يقارب الشهرين في مستشفى آخر لظروف صحية وليس بسبب الكورونا، وهنا كانت الصاعقة " أبوي عطاج عمره " يالله آااااااه وآااااااه وآاااااه
كنت أريد أن أصرخ بأعلى صوتي كنت أريد أن أبكي دون توقف ولكن من أجل أمي لم استطع كانت نائمة لا تعلم بأنها خسرت رجلها ورفيق دربها خفت أن تكون خسارتي مضاعفة فذهبت الى دورة المياه أبكي بصمت وأغسل دموعي التي مهما سالت لن تعبر عن حجم الفقد بداخلي ، من الصعب أن تفقد انسانا ولا تكون قادرا على التعبير عن حزنك بفقده في لحظتها ليحل محل الحزن غضب غير موجه مجرد نوبات غضب تكون نصيب من يواجهك أو يخالفك، كل ذلك لانهم لم يمهلوك الوقت لتحزن وتبكي براحة.
كان أطول نهار يمر علي بكل تعقيداته، وكان همي الأوحد ان أقبله قبلة الوداع الأخير، كنت في سباق مع الزمن لأنهي اجراءات خروجنا التي احسست بأنها لا تنتعي رغم تفهم الكادر لوضعي النفسي وقتها، استقريت في السيارة وضعت نظارتي لأخفي دموعي المنهمرة من عيني أمام والدتي حتى انني لم أرى الطريق الذي كنت اشتقت الى رؤيته منذ أسابيع.
ذهبنا الى المنزل وهي لا تعلم ماذا ينتظرها هناك حيث حرصت على أن لا تعلم بشيء لحين أكون مستعدة أنا لاخبارها، وضعتها في فراشها وقلت لها ارتاحي الآن ونامي. ذهبت مسرعة الى غرفتي لأطلق العنان لألمي الذي مزقني من داخلي وغدوت بلا إحساس، كنت أبكي وانا احس بأن البكاء لا يكفيني، لم أره منذ أكثر من شهر كيف يرحل دون أن أراه ...حينها جاء اخوتي وابني يهدئونني لم أستطع ان أهدأن قلت لن أهدأ حتى أراه ولا تبلغوا والدتي حتى أراه ربما برؤيته استعيد رباطة جأشي وقوتي لأهدئها، أما الآن لا أملك أي وعي بما يحدث حولي .
ليلة وفاته كنت أبلغت ابني بموعد خروجي مع الوالدة من مستشفى جابر الأحمد، وبأنني سوف أرتاح يومين ثم سأتابع حالة والدي شخصيا مع الفريق المختص بحالته وأعتني به، ثم استدركت الأمر وقلت له حالة والدي غير مطمئنة لذا اذهب الى والدي صباحا لتحادث الدكتور المسئول عن حالته ودعني اكلمه عبر الهاتف لافهم لماذا هذا التأخير في اجراء تلك العملية البسيطة، لأنني لم استوعب بروتوكول وزارة الصحة الذي أوقف العديد من العمليات بسبب الكورونا وربما لا أريد أن أستوعب ، كنت أود مناقشة ذلك مع الدكتور خاصة وان حالة والدي تتدهور، اللهم لا اعتراض والحمدلله على كل حال.
لم أكن أعلم وقتها اني أرسلت ابني ليشهد لحظات انعاش أطيب قلب ، كان مشهدا مؤلما خاصة وأن ابني لم يشاهده منذ شهور، وهو كان له الأب الوالد الحنون له، كان صعبا مشاهدته في هذا الوضع، يالله امسح على قلوبنا فمازال الألم يعتصرني، فرغم جمال اللحظات التي وصفها أخي والذي كان معه طوال ليلة وفاته، رغم كلماته المطمئنة حول رحيله بسلام وهدوء بعد ان اوصاه بنا، حتى في رحيله لم ينسانا وحمل همنا، ذلك هو أبي عطاء دون حدود، إلا أنني الى الآن لم أستوعب رحيله.
أصريت على الذهاب الى المقبرة لأراه، حدث ما شئت وذهبت إلى حيث سيكون مسكن والدي الأخير، وفي الطريق الى هناك ركبت السيارة مع ابن أختي وأخواتي وأنا أفكر كم مرة اجتمعنا داخل تلك السيارة لنذهب لمناسبة او استقبال او زيارة عائلية بينما اليوم نجتمع لرحلة من نوع آخر، آااااااه لو يعلموا الى اين أنا ذاهبة الآن آاااااه لو يعلموا حجم الألم في هذه السياره. سابقا حين كنت أمر بالطريق المقابل لتلك المقبرة، وكانت أمي بجانبي تردد " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاءالله بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية " ثم تقرأ الفاتحة لم يدر في خلدي حينها أن هذه المقبرة ستحتضن أغلى انسان لدي وأنني سأدخلها في يوم ما ولن اكتفي بالمرور بجانبها.
وصلت هناك دخلنا الاستراحة المخصصة للنساء ننتظر ان ينهوا غسله ومن ثم ينادوننا، لأول مرة في حياتي أرى ميتا وأي ميت والدي حبيبي الذي لم أستطع زيارته منذ اكثر من شهر بسب اصابتي بالكورونا ومرافقتي للوالدة فكنت اخاف عليه من العدوى ، قبلت وجهه قبلات الوداع وشممت رائحته الزكية العطرة وأطلت النظر في ملامحه المطمئنة حيث كان يرقد بسلام، تلك هي نظرتي الأخيرة لوجهه البشوش، طلبت منه أن يسامحني فلم أكن موجوده معه آخر أيامه، لم يدر بخلدي أنني لن أراه بعد زيارتي الأخيرة له، والله لو كنت أعلم لم أكن لأتركه بعد تلك الزيارة مهما كان، ثم تمالكت نفسي و استودعته الرحمن الرحيم ان يرأف به فقد عانى كثيرا وصبر على المعاناة والمرض.
ألا أخبركم عن أبي ، لقد كان كريما مع الجميع الفقير والغني يعطي بلا حساب، يعطي حتى لو كان هو محتاج، كان طيبا بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فلا أذكره أزعج أحدا، او آذى أحدا، وكل انسان أذاه في يوم ما كان يسامحه لوجه الله ويبتسم في وجهه لذلك لم يكن له أعداء أبدا بل كان رجلا محبوبا من الجميع .
أبي عزاني فيه كل العاملين في فرع السوق المركزي القريب من منزلنا، من الخياط للحلاق لعامل المصبغة لعمال المطعم الهندي والمصور كلهم أناس بسطاء فهو لم يكن متكلفا كان بشوشا ضاحكا مبتسما في وجه كل الناس.
أبي عزاني فيه أناس لم أعرفهم لكنهم عرفوه في يوم ما، و أناس لم يعرفهم ولا نحن نعرفهم فسبحان من سخرهم للدعاء له في اهم لحظات يكون بها الانسان بأمس الحاجة للدعاء.
أبي كان نعم الأب حنونا عطوفا كريما وداعما لي، كنت دوما أتمنى رجلا كأبي شهما كريما، رجولته بأفعاله، أبي ماذا أخبركم عن أبي؟!!!! أحتاج لمجلدات لأكتب عن أبي، آااااه يا ابي رحيلك كسرني وأوجعني.
أبي كان يدعولي دائما، ليس أنا وحدي، بل كان يدعو للجميع مهما صغر أو كبر فعله، مهما كان ما تقدمه له، مهما كان عمرك او جنسك، كان شكورا للجميع ويتمنى الخير لهم جميعا دون استثناء.
كان نادرا ما يقول آه، وحين يقولها أعرف أن هناك خطبا جللا يحدث، أعرف بأن الألم قد وصل درجة لا تحتمل، كان صبورا جدا على الألم، ربما ورثت هذا عنه ، كنت ابنته المفضله والمدللة، كان يفتخر بي اينما ذهب، أعطاني الكثير وكنت أعشق كوني ابنته ، كنت أتمنى لو أرد له قليل مما اعطاني.
أبي علمني الكثير في حياتي وفي مماته ألهمني الكثير، فوجوده كان علامة فارقة في حياتي الماضية ورحيله علامة فارقة في حياتي القادمة، أبي الذي استقبلني بقبلة في هذه الدنيا ومنحني حياة رائعة ودعته بقبلة منةالحياة الدنيا الى حياة لا يعلمها الا ذو الجلال والاكرام، واستودعته ربي العزيز الكريم الذي لن يبخل برحمته على من كان كريما بما استطاع للبسطاء من عباده، اللهم أسألك أن تبني له عندك بيتاً في الجنة، وارزقنا الصبر، والسلوان على فراقه.
اللهم ارحم أبى عدد خلقك، ورضاء نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك اللهم أعطه كتابه بيمينه، وبيض وجهه واجعله يرى مقعده من الجنة، واجعله من المستبشرين، واقبله وأنت راض عنه، واجعل قبره نور هو وجميع المسلمين والمسلمات ممن فارقونا ورحلوا عنا، واجمعنا بهم في جناتك اللهم آمين .
Nawaf alhamad ديسمبر 25, 2020, 10 م
الدعاء للمرحوم بإذن الله العم زيد محمد الشمري الى جنات الخلد يامن رحلتم عنا اللهم نور مرقده وعطر مشهده وطيب مضجعه وآنس وحشته ونفس كربته وقه عذاب القبر وفتنته اللهم امطر على قبره من سحائب رحمتك اللهم آمين .