أحمد الصراف: خلال أكثر من نصف قرن لم أشاهد شعوبا تستسهل، لا بل تمتهن الكذب، بكل هذه «العفوية» و«الطلاقة» المخيفة.. مثلنا.!

زاوية الكتاب

كتب أحمد الصراف 321 مشاهدات 0


تعيش الأغلبية الساحقة من المتشددين والمتدينين، من مسلمين ويهود ومسيحيين وغيرهم، ضمن منظومة من التعاليم الدينية التي تنهاهم عن فعل الكثير من الأمور، وتطالبهم في الوقت نفسه بضرورة التمسك بمجموعة أخرى منها وأدائها في مواقيتها اليومية أو الفصلية أو السنوية.

مع الوقت تكونت في كل مجتمع متدين مجاميع معينة من المواطنين ينقسمون حسب طريقة ممارستهم لعقائدهم: • فهناك قلة نادرة رافضة لكل المنظومة الدينية، ولا يشكل هؤلاء غالبا خطرا على غيرهم! • ومجموعة ثانية متمسكة بكامل المنظومة الدينية بطريقة صارمة، ويعتبرون أيضا أقلية، لكن أعدادها أكبر من الأولى، وتأثيرها أقوى بكثير، ويشكلون بالتالي، بالرغم من قلتهم، خطرا على غيرهم لاستعدادهم للجوء للعنف إن تطلب الأمر ذلك! • أما المجموعة الثالثة، وهي الأكبر، والأكثر بروزا، وخاصة في المجتمعات الإسلامية، فقد اختارت السير في الوسط، أو هكذا تعتقد! فهي تتقبل أو ترفض ما تراه يناسب مزاجها وحالتها النفسية من الأوامر والنواهي الدينية، أو من «موبقات» بحيث أصبحوا كالخياطين، أو «الترزية» بطريقة اختيارهم «للبدلة الدينية» التي تناسب مقاسهم، أو مزاجهم. *** يعتقد البعض أن لا ضرر على المجتمع من الفئة الثالثة، طالما أنها اختارت أن تنظر للدين وتتقبله بالطريقة التي تلائمها، وهذا صحيح في المجتمعات المنفتحة، ولكن غالبية مجتمعاتنا محافظة ولا تسمح لأصحاب هذه الفئة العيش بسلام، وبالتالي تدفعها دفعا لأن تحيا أو تعيش حيوات مختلفة ومتناقضة، أو حياتين على الأقل. الأولى ملتزمة بالصلاة والصيام وأداء بقية الطقوس، والأخرى عابثة ومخالفة في الكثير من تصرفاتها لما اتفق عليه من الشرع ولما ينهى عنه الدين. وحيث إنه يصعب على أفراد هذه الفئة، من قليلي الالتزام ببعض أو كل العبادات، أو التكاسل عن أدائها أحيانا، والاعتراف بذلك للغير، خاصة في ظل ضغوط مجتمعية وأسرية، فإنهم يسعون غالبا، وجاهدين، للتغطية، ما أمكن، على هذا «التقصير» عن طريق الكذب والنفاق، بإظهار ما يحب المجتمع سماعه، والتصرف عكسه سراً، وهذا يخلق في داخلهم تناقضاً يترسخ مع الوقت بحيث يجعلهم يستسهلون الكذب، وادعاء الشيء والقيام بنقيضه، وهذا حول مجتمعاتنا، قولاً وفعلاً، لأكثر مجتمعات الأرض استسهالا للكذب، والعيش في تناقض مع النفس والآخرين، فلا هي قادرة على مجاراة المجتمع في كل متطلباته، ولا هي قادرة على الاعتراف أو التصرف جهراً بما تقوم به من أفعال مخالفة في غالبيتها للدين، فنراهم يقومون بالفعل ونقيضه دون أن يرف لهم جفن، ويعرف هذا بالرياء أو Hypocrisy، مع عدم دقة الترجمة. كما خلق لهم ذلك إشكالية في التعايش مع الآخر، غير المسلم. فمثلا هو يرفض أن يكشف عن حقيقة تناوله للمسكرات في محيطه المسلم ومجتمعه، ويرفض في الوقت نفسه أن يخبر غير المسلم بأنه يصوم او يصلي. وبعضهم يعود مثلا من صلاة الجمعة لمحله، ولا يشعر بالتناقض من اللجوء للحلف في البيع والشراء، أو الغش أو قبول الرشوة، دع عنك عدم الاحترام لميثاق أو عهد أو موعد والتأخر المستمر عن دوام العمل، وغير ذلك من التصرفات المتناقضة، دون إحساس بالجرم أو الذنب. لقد سافرت لكل دول العالم تقريبا، واحتككت بشعوب كثيرة وتعاملت معها إنسانيا وتجاريا، وخلال أكثر من نصف قرن لم أشاهد شعوبا تستسهل، لا بل تمتهن الكذب، بكل هذه «العفوية» و«الطلاقة» المخيفة.. مثلنا.

تعليقات

اكتب تعليقك