محمد العويصي: أنصح الحاسد بأن يترك الحسد لأنه خلق سيئ تتصف به النفوس الضعيفة الإيمان والتي ضعفت علاقتها وصلتهما بربها.. أليس الحسد اعتراضاً على قضاء الله وقدره؟
زاوية الكتابكتب محمد العويصي نوفمبر 5, 2020, 10:51 م 552 مشاهدات 0
شريعتنا الإسلامية الغراء تنهى عن الحسد لأنه مدمر لصاحبه وللآخر، وإليكم قصة عن الحسد تتناقلها كتب التراث، فيها العظة والعبرة: يحكى أن رجلا من العرب دخل على المعتصم، فقربه إليه وجعله نديمه، يدخل عليه من غير استئذان، وكان للمعتصم وزيرٌ حاسد فغار من البدوي وقال في نفسه: إن لم أحتل على البدوي في قلته فربما صار هو الوزير!
صار الوزير يتلطف مع البدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعاماً وأكثر من الثوم فلما أكل البدوي منه قال له الوزير: احذر أن تقرب من المعتصم فيشم منك رائحة الثوم، ثم ذهب الوزير إلى المعتصم، فخلا به وقال: إن البدوي قد أشاع بين الناس أنك أبخر ورائحة فمك كريهة لا تطاق!
فلما دخل البدوي على المعتصم جعل كمه على فمه مخافة أن يشم رائحة الثوم، فلما رآه المعتصم على هذه الحال قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب المعتصم كتاباً إلى أحد عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امض به إلى فلان وائتني بالجواب فامتثل البدوي لكلام المعتصم، وحين كان يغادر القصر شاهده الوزير فقال في نفسه: من الأكيد أن المعتصم قد كتب بإعطاء البدوي مالاً كثيراً، فقال الوزير للبدوي: ما تقول فيمن يريحك من عناء السفر ويعطيك ألفي دنيار؟!
فقال البدوي: أنت الوزير وأنت الحاكم وما رأيته من الرأي فافعل، فقال: أعطني الكتاب، فدفعه إليه فأعطاه الوزير ألفي دينار.
سار الوزير بالكتاب إلى المكان المقصود، فلما وصل أعطى العامل الكتاب، فقرأه العامل وأمر بضرب رقبة الوزير.
بعد عدة أيام تذكر أمير المؤمنين أمر البدوي، وسأل عن وزيره فأخبر بأنه لم يظهر منذ أيام وأن البدوي مقيم بالمدينة! فتعجب المعتصم من ذلك وأمر بإحضار البدوي، فسأله عن حاله فأخبره بالقصة التي حصلت له مع الوزير من أولها إلى آخرها.
فقال المعتصم: أنت قلت عني أني أبخر، فقال: معاذ الله أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكراً وحسداً من الوزير، وأعلمه كيف أدخله بيته وأطعمه الثوم وما جرى له مع الوزير.
فقال البدوي: لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله"، ثم أمر المعتصم بتعيين البدوي وزيراً، وراح الوزير بحسده، وصدق من قال: "الحسود لا يسود".
وبرأيي الشخصي المتواضع أنصح الحاسد بأن يترك الحسد، لأنه خلق سيئ تتصف به النفوس الضعيفة الإيمان، والتي ضعفت علاقتها وصلتهما بربها، أليس الحسد اعتراضاً على قضاء الله وقدره، الذي قسم الأرزاق بين عباده؟ وقد ذم القرآن الحاسد في سورة الفلق فقال: "ومن شر حاسد إذا حسد"، كما حذرنا رسولنا الكريم من الحسد فقال عليه الصلاة والسلام "و لا تحاسدوا".
والحسد مرض يقتل صاحبه "كما قتل الوزير في القصة" لذا أنصح كل مسلم يتصف بالحسد أن يقوي علاقته وصلته بربه ويحمده ويشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يتمنى الخير لنفسه وللآخرين، ويرضى بما قسمه الله له، لأن القناعة كنز فيه راحة البال والرضا بقضاء الله وقدره "فهل من مدّكر".
* اقرأ وأتعظ:
رأى الأصمعي رجلا عمره 120 سنة فسأله عن سر نشاطه وحيويته وهو في هذا العمر، فقال: "تركت الحسد فبقي الجسد".
تعليقات