‫داهم القحطاني: وأتت اللحظة التي يغيب فيها أحد أهم صانعي السياسة في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الأخيرة بعد حياة حافلة بالإنجازات وبمواجهة عدد لا يحصى من التحديات والمخاطر‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 669 مشاهدات 0


وأتت اللحظة التي يغيب فيها أحد أهم صانعي السياسة في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الأخيرة بعد حياة حافلة بالإنجازات، وبمواجهة عدد لا يحصى من التحديات والمخاطر، لكنه غياب الجسد في حين تستمر المبادئ لتكون إرثاً لا ينتهي.

الشيخ صباح الأحمد - رحمه الله - وفي كل المناصب والمواقع التي شغلها كرجل دبلوماسية، أو كرجل حُكم كان على الدوام من الذين يقومون بالمهام المستحيلة بأسلوب سهل ممتنع يخفي خلاله آلام ومعاناة يتحملها هو بنبل وصبر.

حصل هذا مرارا، ومن ذلك جهوده الخارقة في إنهاء ملف الحرب اللبنانية، حين ترأس اللجنة التي شكلتها الجامعة العربية واستطاع بفضل صبره وسعة صدره جمع الأطراف في مؤتمر الطائف، الذي انتهى بالتوصل لاتفاق الطائف الذي أنهى هذا النزاع.

ملف آخر لا يقل تعقيدا استطاع الشيخ صباح الأحمد أن يفكك تعقيداته ليتحول اليمن من دولتين متناحرتين إلى يمن موحد يتبادل فيه أبناء البلد الواحد المصالح بدلا من التخاطب عبر لغة الرصاص.

لم يكن هذا النجاح ليحدث في اليمن بكل تعقيداته القبلية لولا وجود شخصية نادرة بذكاء ودهاء وصبر وحلم صباح الأحمد.

الكويت التي تميزت بدبلوماسية الوساطة بقيادة الشيخ صباح الأحمد لم تحقق هذه المكانة العالمية لولا وجود عمل دبلوماسي مؤسسي قاده الشيخ صباح على مدار 40 عاماً، وهو ما جعل العالم كله يعتبر الكويت وسيطا أمينا في قضايا ملتهبة عدة، لعل من أهمها الخلاف الخليجي الذي كاد يتحول من أزمة سياسية إلى صدام عسكري لولا قدرة الشيخ صباح على التعامل مع هذا الملف بشكل سريع وعبر اجراءات استباقية وجدت دعما من الأمم المتحدة والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات الأميركية المتحدة.

كرجل حكم استطاع الشيخ صباح الأحمد أن يحافظ على استقلال الكويت من الانزلاق إلى سياسة المحاور، فبقيت الكويت رغم كل الضغوط ذات قرار مستقل مع بقائها دوما في الجانب المؤيد لمجلس التعاون الخليجي، ولجامعة الدول العربية، وذلك ضمن أي جهد يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.

الشيخ صباح الأحمد كزعيم أعاد السياسة للعمل الإنساني، وجعل من المؤتمرات السياسية وسيلة لدعم العمل الإنساني والإغاثي لشعوب عدة تضررت من النزاعات العسكرية والسياسية، ومن ذلك سلسلة المؤتمرات التي نظمتها الكويت لدعم الشعب السوري خلال تفاقم الأزمة السورية.

وفي مقابل الدمار الذي يجتاح المنطقة عبر تصاعد النزاعات والحروب، كانت الكويت بقيادة الشيخ صباح الأحمد تقدم العون والإغاثة، وتبعث في نفوس المكلومين والمحرومين الأمل.

ولهذا كانت اللجان الخيرية والإنسانية والإغاثية الكويتية، وعلى رأسها الصندوق الكويتي للتنمية، والهيئة الخيرية الإسلامية، وعشرات اللجان الخيرية الكويتية التي تجد دعما وتشجيعا مباشرا من الشيخ صباح - رحمه الله - بمنزلة النور الذي بدد الظلام الذي ساد طوال عقود من الألم والحرمان لملايين من اللاجئين والمتضررين من النزاعات والحروب.

في سنواته الأخيرة وجد الشيخ صباح الأحمد التكريم من الأمم المتحدة بصفته قائدا للعمل الإنساني، وهو تكريم أسعد الكويتيين، لأنه أتى في الوقت المناسب لرجل قام بالكثير من أجل الإنسانية فاستحق بالفعل هذا التكريم عالي المستوى.

رحم الله الشيخ صباح الأحمد وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعا الصبر، وأعان سلفه صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد ليقود الكويت لتواصل دورها الإنساني في خدمة الإنسان أينما كان، ولتواصل دورها كعنصر توازن في منطقة ممتلئة بالأزمات والنزاعات.

تعليقات

اكتب تعليقك