محمد الرميحي : الفلسطينيون يطالبون العرب بالتوحد وهم غير موحدين وخارج العقل السوي من يطالب اليـوم بمحو إسرائيل من الوجود
زاوية الكتابد. محمد الرميحي سبتمبر 22, 2020, 8:55 ص 640 مشاهدات 0
أمس الاثنين 21 أيلول (سبتمبر) كان اليوم العالمي للسلام، و العالم بعد طول صراع اكتشف أن ما يأتي به السلام أكثر وأفضل مما يأتي به الصراع، سواء كان المحلي (الوطني) او البيني (الإقليمي والدولي) فأين نحن من فكرة وثمار السلام؟ دعونا نلقي نظرة على(سلام الشرق الاوسط)!
في الثلث الأول من سبعينات القرن الماضي قضيت وقتاً أحضّر للدراسات العليا في بريطانيا، وكانت المرحلة (نهاية الستينات أوائل السبعينات) مرحلة صعبة في ما عرف وقتها بالصراع العربي - الإسرائيلي، كنت واحداً من النشطاء في اتحاد الطلاب الكويتين فرع المملكة المتحدة، وأيضاً في الاتحاد العام للطلاب العرب في بريطانيا، كان نشاطنا جلّه في ملف (القضية) ولا غيرها وهي فلسطين.
كانت المفردات مختلفة، كانت أعمال العنف الذي يقوم بها الفلسطينيون وقتها على أشدها من اختطاف طائرات الى اختطاف رياضيين في ميونخ 1972 الى تفجيرات مختلفة ضد مصالح وأشخا محليين وعالميين، وقتها المفردة المستخدمة كانت (مخربين عرباً)، ولم تكن منظمة التحرير الوليدة معترفاً بها. الصحافة البريطانية بمجملها كانت معادية للعرب والفلسطينيين بخاصة، وتكيل للجميع الاتهام وتلصق بهم اسوأ الأعمال. كل ذلك لم يقعد قلة من الصحافيين البريطانيين بمحاولة شرح الحقيقة للجمهور، ففي الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر) 1972 نشرت "الصنداي تايمز"، وهي الجريدة الأسبوعية الأكثر قراءة وقتها، دراسة مطولة عن (التخريب والمخربين) وهو من صفحة ونصف الصفحة من صفحات "التايمز".
الكاتب يذكر كيف بدأ الإرهاب في الشرق الأوسط من خلال العصابات الصهيونية، التي بدأت بإرسال متفجرات للضباط البريطانيين العاملين في فلسطين، ثم لاحقتهم بهذه المتفجرات حتى بريطانيا، ويذكر المقال أسماء الأشخاص الذين تفجرت بهم هذه الطرود أو الرسائل، منهُم أطفال ونساء. ثم يذكر أن العرب لم يبادروا بهذا النوع من الأعمال، ولكن الإسرائيليين هم من فعلوا واستمروا عندما شنّوا حملة متفجرات في القاهرة ضد العلماء الألمان العاملين في مصر، ثم بعد ذلك بقتل مجموعة من الناشطين الفسطينيين من أمثال غسان كنفاني في بيروت ومحاولة قتل غيره. ويرى الكاتب أن نشاط (المخربين العرب اليوم) أي في السبعينات، هي من قبيل أن "هذه بضاعتهم ردت إليهم"، وقتها تقدم ياسر عرفات بطلب الحصول على فيزا الى بريطانيا فوقع 320 عضواً في البرلمان وثيقة لمنعه من الدخول.
بعد أكثر بقليل من عشرين عاماً وصل ياسر عرفات الى واشنطن مرحباً به، ووقع سلام الشجعان مع السيد شيمون بيريس. وقتها قالت السيدة حنان عشرواي للصحافين في واشنطن نحن هنا (للاحتفال بقيام الدولة الفلسطينينة). لقد جرت تحت جسر القضية مياه كثيرة وغزيرة من سبعينات الى تسعينات القرن الماضي، فلم تعد منظمة التحرير الفلسطينية (السلطة) إلا جزءاً من الكيان الدولي، وأصبحت عضواً في عدد كبير من المنظمات الدولية ولها سفراء في عواصم كبيرة وكثيرة. الفكرة هنا لها مدخلان، الأول أن العالم يتغير والشعوب تأخذ حقوقها إن سايرت الأوضاع العامة وعرفت كيف يمكن أن تقرأ الساحة السياسية والمتاح من الفرص، والثاني أن القوة والتشدد (التخريب أو الإرهاب) لم يأتيا بنتائج، لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين، يكفى ما دُفع من أثمان من أجل التكسب السياسي للزعماء او الدول المجاورة.
خارج عن العقل السوي من يرى اليوم (بمحو إسرائيل من الوجود) كما هو بالضبط خارج عن العقل السوي بإنكار الوجود الفلسطيني وحقوقه المشروعة. كل الشعارات لن تستطيع أن تقدم الأمان والعيش المسالم لأي جهة إلا من خلال تراضٍ متفق عليه وهذا ما حدث في التسعينات. من الخفة أن يقال أن الاتفاقين الإماراتي والبحريني هما نهاية المطاف للقضية. لم يفعل ذلك الاتفاق المصري ولا الأردني ولا حتى الفلسطيني، ولكن من الحصافة أن ينظر إليه كونه فرصة، يمكن البناء عليها. ما عطل الطريق الى السلام أن الفلسطينيين دخلوه موحدين ثم تفرقوا فلا أكثر من (الانشقاق الفلسطيني) ما أوهن السلام، وأصبح الفلسطنيون بأكثر من رأس، وكانت الفرصة لتراجع الإسرائيليين عما وافقوا عليه.
اليوم الفلسطينيون بسبب ضبابية الرؤية يطالبون العرب بالوقوف خلفهم متحدين، ولكنهم هم لا يتحدون!! تلك المعضلة الكبرى التي تواجه الجميع في إعادة السير الى السلام، المزايدة بين الفرق والتكسب السياسي يسدان طريق السلام، ولن تستطيع إسرائبل مهما تقدم الزمن أن تعيش في وسط معادٍ. اتفاق السلام الأخير فرصة لها للخطو بعيداً عن التشدد، وربما لو تم جهد حقيقي لاستثمار السلام الاول في الأوساط الإسرائيلية لكبر حجم مؤيدي السلام، وهو الآن موجود في صفوف النخب وبعض السياسين الإسرائيلين وربما خطوة السلام الأخيرة تزيده زخماً إن أحسنا القراءة السياسية، فلا عودة الى خمسين سنة ماضية من الصراع، لأن التاريخ بطبعه لا يرجع الى الوراء!
تعليقات