محمد الرميحي : الفلسطينيون يطالبون العرب بالتوحد وهم غير موحدين وخارج العقل السوي من يطالب اليـوم بمحو إسرائيل من الوجود

زاوية الكتاب

د. محمد الرميحي 640 مشاهدات 0


أمس الاثنين 21 أيلول (سبتمبر) كان اليوم العالمي للسلام، و العالم بعد طول صراع اكتشف أن ما ‏يأتي به السلام أكثر وأفضل مما يأتي به الصراع، سواء كان المحلي (الوطني) او البيني (الإقليمي ‏والدولي) فأين نحن من فكرة وثمار السلام؟ دعونا نلقي نظرة على(سلام الشرق الاوسط)!‏

 

في الثلث الأول من سبعينات القرن الماضي قضيت وقتاً أحضّر للدراسات العليا في بريطانيا، ‏وكانت المرحلة (نهاية الستينات أوائل السبعينات) مرحلة صعبة في ما عرف وقتها بالصراع العربي - الإسرائيلي، كنت واحداً من النشطاء في اتحاد الطلاب الكويتين فرع المملكة المتحدة، وأيضاً في ‏الاتحاد العام للطلاب العرب في بريطانيا، كان نشاطنا جلّه في ملف (القضية) ولا غيرها وهي ‏فلسطين.

 

كانت المفردات مختلفة، كانت أعمال العنف الذي يقوم بها الفلسطينيون وقتها على ‏أشدها من اختطاف طائرات الى اختطاف رياضيين في ميونخ 1972 الى تفجيرات مختلفة ضد ‏مصالح وأشخا محليين وعالميين، وقتها المفردة المستخدمة كانت (مخربين عرباً)، ولم تكن ‏منظمة التحرير الوليدة معترفاً بها. الصحافة البريطانية بمجملها كانت معادية للعرب ‏والفلسطينيين بخاصة، وتكيل للجميع الاتهام وتلصق بهم اسوأ الأعمال. كل ذلك لم يقعد ‏قلة من الصحافيين البريطانيين بمحاولة شرح الحقيقة للجمهور، ففي الأسبوع الأخير من شهر ‏أيلول (سبتمبر) 1972 نشرت "الصنداي تايمز"، وهي الجريدة الأسبوعية الأكثر قراءة وقتها، دراسة ‏مطولة عن (التخريب والمخربين) وهو من صفحة ونصف الصفحة من صفحات "التايمز".

 

الكاتب يذكر ‏كيف بدأ الإرهاب في الشرق الأوسط من خلال العصابات الصهيونية، التي بدأت بإرسال ‏متفجرات للضباط البريطانيين العاملين في فلسطين، ثم لاحقتهم بهذه المتفجرات حتى بريطانيا، ‏ويذكر المقال أسماء الأشخاص الذين تفجرت بهم هذه الطرود أو الرسائل، منهُم أطفال ونساء. ثم ‏يذكر أن العرب لم يبادروا بهذا النوع من الأعمال، ولكن الإسرائيليين هم من فعلوا واستمروا ‏عندما شنّوا حملة متفجرات في القاهرة ضد العلماء الألمان العاملين في مصر، ثم بعد ذلك بقتل ‏مجموعة من الناشطين الفسطينيين من أمثال غسان كنفاني في بيروت ومحاولة قتل غيره. ويرى ‏الكاتب أن نشاط (المخربين العرب اليوم) أي في السبعينات، هي من قبيل أن "هذه بضاعتهم ‏ردت إليهم"، وقتها تقدم ياسر عرفات بطلب الحصول على فيزا الى بريطانيا فوقع 320 عضواً في ‏البرلمان وثيقة لمنعه من الدخول. ‏

 

بعد أكثر بقليل من عشرين عاماً وصل ياسر عرفات الى واشنطن مرحباً به، ووقع سلام ‏الشجعان مع السيد شيمون بيريس. وقتها قالت السيدة حنان عشرواي للصحافين في ‏واشنطن نحن هنا (للاحتفال بقيام الدولة الفلسطينينة). لقد جرت تحت جسر القضية مياه ‏كثيرة وغزيرة من سبعينات الى تسعينات القرن الماضي، فلم تعد منظمة التحرير الفلسطينية ‏‏(السلطة) إلا جزءاً من الكيان الدولي، وأصبحت عضواً في عدد كبير من المنظمات الدولية ولها ‏سفراء في عواصم كبيرة وكثيرة. الفكرة هنا لها مدخلان، الأول أن العالم يتغير والشعوب تأخذ ‏حقوقها إن سايرت الأوضاع العامة وعرفت كيف يمكن أن تقرأ الساحة السياسية والمتاح من ‏الفرص، والثاني أن القوة والتشدد (التخريب أو الإرهاب) لم يأتيا بنتائج، لا للإسرائيليين ولا ‏للفلسطينيين، يكفى ما دُفع من أثمان من أجل التكسب السياسي للزعماء او الدول المجاورة. 

 

خارج عن العقل السوي من يرى اليوم (بمحو إسرائيل من الوجود) كما هو بالضبط خارج عن ‏العقل السوي بإنكار الوجود الفلسطيني وحقوقه المشروعة. كل الشعارات لن تستطيع أن تقدم ‏الأمان والعيش المسالم لأي جهة إلا من خلال تراضٍ متفق عليه وهذا ما حدث في التسعينات. ‏من الخفة أن يقال أن الاتفاقين الإماراتي والبحريني هما نهاية المطاف للقضية. لم يفعل ذلك ‏الاتفاق المصري ولا الأردني ولا حتى الفلسطيني، ولكن من الحصافة أن ينظر إليه كونه ‏فرصة، يمكن البناء عليها. ما عطل الطريق الى السلام أن الفلسطينيين دخلوه موحدين ثم ‏تفرقوا فلا أكثر من (الانشقاق الفلسطيني) ما أوهن السلام، وأصبح الفلسطنيون بأكثر من ‏رأس، وكانت الفرصة لتراجع الإسرائيليين عما وافقوا عليه.

 

اليوم الفلسطينيون بسبب ضبابية ‏الرؤية يطالبون العرب بالوقوف خلفهم متحدين، ولكنهم هم لا يتحدون!! تلك المعضلة الكبرى ‏التي تواجه الجميع في إعادة السير الى السلام، المزايدة بين الفرق والتكسب السياسي يسدان ‏طريق السلام، ولن تستطيع إسرائبل مهما تقدم الزمن أن تعيش في وسط معادٍ. اتفاق السلام ‏الأخير فرصة لها للخطو بعيداً عن التشدد، وربما لو تم جهد حقيقي لاستثمار السلام الاول في ‏الأوساط الإسرائيلية لكبر حجم مؤيدي السلام، وهو الآن موجود في صفوف النخب وبعض ‏السياسين الإسرائيلين وربما خطوة السلام الأخيرة تزيده زخماً إن أحسنا القراءة السياسية، فلا ‏عودة الى خمسين سنة ماضية من الصراع، لأن التاريخ بطبعه لا يرجع الى الوراء!‏

تعليقات

اكتب تعليقك