محمد الرميحي يكتب عن تحولات محامي الرئيس الأمريكي ، ويتسائل كيف لشخصية غريبة الأطوار كترامب أن تحكم الدولة الأقوى في العالم
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي سبتمبر 15, 2020, 3:44 م 774 مشاهدات 0
الولايات المتحدة الأميركية تصدّر الكثير للعالم منها الدارما التي كثيراً ما شدتنا على الشاشة البيضاء، من حيث الحبكة والتشويق وتوقع اللامتوقع. في الواقع هذه البلاد الكبيرة والمتنوعة تقدم لنا في الحياة أكثر القصص تشويقاً و أعجبها من حيث غير المتوقع.
الشخصية التي أشير إليها تتحول من رجل يمتهن المحاماة بنجاح ويمتلك أفضل الشقق المطلة على أجمل المناظر المشرفة على الحديقة المركزية في نيويورك، ويتنقل بأحدث طراز السيارات الفاخرة، الى سجين وحيد في سجن شمال مدينة نيويورك، يعمل في مصبغة السجن في مقابل ثماني دولارت في الشهر! قصة هذا الشخص ليست إلا قصة محامي السيد دونالد ترامب، ميشال كوهين، الذي كان المحامي الرئيسي لإمبراطورية ترامب العقارية في نيويورك وغيرها من المدن في العالم بين 2006 – 2016.
وأنا اقرأ هذا الكتاب المكون من أكثر من أربعمئة صفحة حبست أنفاسي، لأن مشاهده تنتقل من مشهد الى آخر وتبهر المتابع. هذا الرجل المحامي كان ولاؤه لسيده دونالد ترامب غير مزعزع ولا منازع منذ أن تعرف إليه في اول اتصال بينهما في مجال العمل، حتى قام بالشهادة امام لجنة من الكونغرس لصالح سيده، وكذب في تلك الشهادة، الأمر الذي انكشف من دون أن يقدم الرئيس له الحماية، فقرر كما يقول المثل (عليّ وعلى اعدائي)! بأن شهد الحقيقة، هذه المرة على نفسه وعلى رئيسه السابق فاستحق أن يسجن بسبب كذبه الاول! ومن زنزانته في السجن البارد كتب كما يقول هذا الكتاب المعنون (العاق او الخائن) حسب الترجمة التي توافق المعني..
وأنا اقرأ الكتاب كنت واعياً انه (معادٍ ومصدوم وقد يروم الانتقام) من (معبوده السابق) وإذا كان قد اقترف الكذب أكثر من مرة، فما المانع أنه يكذب وهو في زنزانته؟ مع هذا التحفظ قرأت الكتاب والذي فيه سرد يشبه سيناريو أفضل أفلام (الأكشن) الواقعية وحتى لو كان نصف الادعاءات التي وجهها الى السيد ترامب صحيحة، فإن ذلك يرسل شيئاً من القشعريرة في جسم المتابع، فالولايات المتحدة بلاد كبيرة وقوية ومؤثرة بشكل واضح في أحداث العالم، قبلنا أم كرهنا، تلك حقيقة لا جدال فيها، والشخص القابض على القرار في البيت الأبيض بيده الحياة أو الموت (مباشرة أو مداورة) لملايين من البشر، والبلاد الكبيرة هذه لها تاريخ طويل من الإنجازات التقنية والصناعية والفكرية، ولها مؤسسات فاعلة، وأخذاً بكل ذلك وخلافه كيف يمكن أن تنتخب رئيساً بتلك المواصفات التي يسردها شخص قريب منه مثل ميشال كوهين؟ سؤال في نظري شرعي ويستحق المتابعة.
إذا تركنا الاتهمات جانباً ومنها ما يقع في إطار الشناعة مثل (الكذب المرضي والعنصرية والابتزاز) واستخدام الآخرين لتحقيق الأهداف التي يريدها بصرف النظر عن أحقيتها أو حتى قانونيتها، فإني للمرة الأولى أعرف وقد يكون آخرون قد عرفوا قبلي، أن للسيد ترامب خوفاً مرضياً من الجراثيم! فهو نادراً ما يصافح أحداً بيده إلا مضطراً، ولكنه في الغالب يخفي تلك المخاوف! كما انه يعشق (التضخيم والمبالغة) وخصوصاً المتعلقة بأعماله.
يصف لنا كوهين مغامرات مالية ضخمة دخل فيها السيد ترامب وهو يدير مملكته العقارية من مدينة نيويورك، بعضها فاشل واحتاج الى طرق ملتوية للخروج منها حيث شارك فيها كوهين كما يقول راضياً، لأنه يشترك معه في صفاته الشخصية، وحبه للثروة وضربه بعرض الحائط بالقوانين والأعراف المرعية بل وبالاخلاق، من أجل تحقيق ما يرغب. يصف كوهين مقاومة زوجته (زوجة كوهين) لكل ما يقوم به في خدمة ترامب في السنوات العشر التي قضاها كمحاميه، ولكنه كان شرهاً للسلطة والقوة وكأنه تحت تأثير قوى لا يستطيع مقاومتها.
لقد استخدم السيد ترامب وسائل التواصل الاجتماعي بنجاح منقطع النظير، لأنه يعرف أن الدراسات تقول إن (الكذبة تنتشر ست مرات أسرع من الحقيقة في وسائل التواصل الاجتماعي). السيد كوهين يرسم صورة غير صحيحة للرئيس في هذا الكتاب، ولكنه ليس الوحيد فابنة شقيق الرئيس ماري ترامب في كتابها (الكثير جداً وليس بكاف)! ترسم صورة أكثر سواداً من كتاب كوهين من الزاوية العائلية، وهو أمر نادر في علاقات العائلات التي وصلت الى الادارة العليا في تاريخ الولايات المتحدة.
ما يقلق المراقب من بعد هو السؤال الأكثر أهمية، كيف لمثال هذه الشخصية شديدة الغموض والتعقيد أن يصل الى رئاسة دولة من أكبر (الديموقراطيات) في العالم، لا بد أن آليات تلك الديموقراطية بها عوار، أو أن شريحة من المجتمع يستهويها هذا النوع من الشخصيات، بمعنى أن المجتمع مأزوم، البعص يرى أنه من الممكن أن تنتج الديموقراطية نتائج سلبية، ولكنها في نهاية المطاف تصحح نفسها، فهل تفعل؟؟ الإجابة سوف نراها رؤية العين بعد أسابيع قليلة.
تعليقات