طلال عبدالكريم العرب: الحقيقة أن ما جرى للكويت لا يمكن فهمه ولا استيعابه. على الرغم من العدد الكبير للهيئات الرقابية فإن الجميع فشل في ضبط اقتصاد البلد وكشف الفساد
زاوية الكتابكتب طلال عبد الكريم العرب سبتمبر 5, 2020, 10:11 م 748 مشاهدات 0
قال الله في محكم كتابه: «وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)»، فالذين قالوا للملك إنها أضغاث أحلام هم المستشارون الفاسدون والبطانة الجاهلة.
فكان لا بد أن يستعين الملك بمن هو أهل لها، ومن لها غير يوسف، عليه السلام، فهو الصديق، فاستشاره الملك قائلا: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)»، وهنا يتبين حرص الملك على إخبار شعبه بما سيحصل مستقبلاً لبلدهم.
كان رد يوسف، عليه السلام، ناصحا وحاسما ومحذرا، فقد قال: «قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)»، أي احذروا أيها الناس، فلا تبذروا ولا تسرفوا، وحافظوا على ثرواتكم واستثمروها حتى تنفعكم عندما يجف الضرع ويموت الزرع، هذه الرؤيا للملك الهكسوسي خيان في عام 1739 قبل الميلاد، أي قبل 3760 سنة تقريبا، وكانت النصيحة على قدر السؤال.
إنها سورة تنضح بالحكمة، وبالمعاني وخريطة طريق لمن بيده أمر العباد، فكم من نصائح وتحذيرات قدمت وكم من دراسات نشرت أيام الرخاء عند ارتفاع أسعار النفط الجنونية، وقيل الكثير بأن النفط سلعة ناضبة، وأن أسعاره متقلبة تحكمها الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية، فلا يجب أن تبذر الفوائض على رواتب وهبات وتبرعات لا فائدة من ورائها، فالواجب والمفترض والحكمة تقول بأن تستثمر تلك الفوائض لتعزيز الاقتصاد لا هدره.
إلا أن أغلب الحكومات المتعاقبة كانت مغيبة عن مجريات الأمور، ولم تستمع لعين العقل، فآثرت أن تستجيب لطلبات نواب لأمر ما في نفس يعقوب، فلا حافظت على ثروات البلد، ولا معظم مجالس الأمة المتعاقبة قاموا بواجبهم الرقابي، بل كان أغلبهم على العكس من ذلك تماما، فكان هؤلاء يضغطون عليها ويساومونها على اهدار أموال البلد من أجل مصالحهم الشخصية فقط، وهي من استسلمت لطلباتهم التي لم تنته حتى الآن، رغم الضائقة المالية، وانخفاض أسعار النفط.
الحقيقة أن ما جرى للكويت وما يجري لها الآن لا يمكن فهمه ولا استيعابه، فعلى الرغم من جيوش المستشارين، وعلى الرغم من العدد الكبير للهيئات الرقابية، فإن الجميع فشل في ضبط اقتصاد البلد، وكشف الفساد، فالجميع تسبب بتهديد أمنه واستقراره ومستقبل أبنائه، غير عابئين ولا مستوعبين مسؤولياتهم الوطنية، حتى استفحل الفساد، وزادت السرقات، وتضخمت أموال الفاسدين والرعاع.
فلا نقول إلا أن يحفظ الله هذا البلد من أصحاب الرأي الفاسد، ومن سراق المال العام.
تعليقات