داهم القحطاني: أكذوبة «السلام مقابل السلام» التي يتفاخر نتانياهو بأنه حققها عبر عملية التطبيع مع دولة الإمارات، لا يوجد لها تطبيق حقيقي على الأرض فالسلام أصبح أكثر بُعدا

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 559 مشاهدات 0


جاريد كوشنر ليس بسياسي إنما هو مجرد تاجر عقارات ساعده الحظ ليكون زوج بنت تاجر عقارات آخر، استطاع أن يتولى أهم منصب في العالم.. رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

وهكذا وفجأة وبدلاً من ان يتولى ملف الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية دبلوماسي مخضرم أو سياسي محنك، أصبح «زوج البنت» مستشاراً مكلفاً من «النسيب» دونالد ترامب.

كوشنر يهودي الديانة، وهذا الأمر كان له الأثر الكبير في توجهاته السياسية، ولهذا كان أكثر حماساً من الإسرائيليين أنفسهم في تحقيق بعض من الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية، ومنها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

الإسرائيليون كانوا يريدون تحقيق هذا الهدف منذ زمن، لكنهم وفي الوقت نفسه لم يريدوا أن يتم ذلك على حساب تحويل الولايات المتحدة من وسيط مقبول للسلام في المنطقة العربية إلى طرف رئيسي في معادلة الصراع.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي تربطه علاقة خاصة بكوشنر حتى قبل فوز ترامب بالرئاسة، جعلته يستضيفه للمبيت في منزله ذات مرة، وجد في نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة فرصة عظيمة للتهرب من محاكمة فساد يطارده بها القضاء ولم تتم بسبب استمراره في المنصب.

تم نقل السفارة وحصل نتانياهو على أصوات إضافية من اليمين الإسرائيلي المتطرف جعلته يتفوق بفارق طفيف جدا على منافسه حزب «أزرق أبيض»، الأمر الذي لم يمكنه من تشكيل الحكومة، لتعاد انتخابات الكنيست فيتعادل هذه المرة مع خصومه ويتفق معهم على تقاسم السلطة، وكل هذا بالطبع مقابل تأجيل محاكمته عن تهم الفساد.

هل تعامل الإسرائيليون مع نتانياهو كبطل قومي حقق لهم خطوة عظيمة كنقل السفارة الأميركية للقدس؟

بالطبع لا، فالإسرائيليون لا ينتمون كلهم لليمين المتطرف، فهناك تيارات تبحث عن الأمن والاستقرار، فاعتبروا أن نقل السفارة من دون اتفاقية سلام مجرد خطوة متهورة أفقدت إسرائيل ميزة أن يكون حليفها الأهم، وهي الولايات المتحدة، وسيطا مقبولا لدى أعدائها العرب.

ولأن الإسرائيليين يعلمون أن نتانياهو لم يقم بذلك من أجل المصالح الإسرائيلية العظمى، بل من أجل تحقيق فوز انتخابي يحميه من المحاكمة بتهم فساد، تواصلت التظاهرات الحاشدة وغير المسبوقة ضد نتانياهو لتكون حدثا يوميا يحاصر نتانياهو في مقر عمله، وفي منزله.

وهكذا تسبب تاجر العقار، والمستشار غير المؤهل سياسا المكلف ملف الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، بتعريض إسرائيل وحليفه نتانياهو لمخاطر أكبر.

ترامب وكوشنر ونتانياهو الهارب من محاكمة فساد يعتقدون أن السلام يتحقق بمجرد تنظيم المظاهر الاحتفالية، وأن هذه الاحتفالات المملوءة بالخطب الرنانة ستخلق واقعا جديدا في المنطقة، لكنهم فوجئوا بأن الاحتقان في المنطقة زاد، وأن ترامب ونتانياهو تراجعا انتخابيا بسبب عبثية كوشنر وعدم قدرته على استعياب عمق وحقيقة الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

ولأن الصهر كوشنر تلميذ نجيب في مدرسة النسيب ترامب، تم البحث عن إجراءات استعراضية تخلق لترامب صورة رجل السلام، وللصديق نتانياهو صورة صانع الانتصارات الإسرائيلية، فوجد كوشنر في مسألة تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية فرصة لتحقيق كل ذلك.

إسرائيل كيان مغتصب، ووجودها يشكل خطرا على كل الدول العربية، وهي تحاول دوما اختراق الدول العربية وهدم اقتصاداتها إما عبر عمليات تخريب مباشرة، أو خفية، أو عبر عقد اتفاقات سلام شكلية تكبل الدول العربية تدريجيا وتدخلها في مشاكل هيكلية لا تكاد تنتهي.

لننظر كمثال لما حل في مصر والأردن بعد أن ارتبطتا بعملية السلام مع إسرائيل، فقد تحولت هاتان الدولتان إلى دول الاعتماد على القروض والمعونات الخارجية، بعد أن كانتا قبل ذلك ذواتي نظام اقتصادي قوي ومتماسك نسبياً.

بالطبع لم تكن إسرائيل السبب الوحيد بما حل بمصر والأردن، ولكن إسرائيل لديها عقيدة راسخة تتمثل في أن استمرارها كدولة في منطقة الشرق الأوسط يعتمد على قدرتها على إضعاف الدول المحيطة بها سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، وديموغرافيا (سكانيا).

ولتقريب الصورة هناك آلاف عمليات التخريب التي تتم في دول عربية لمنشآت صناعية وزراعية وتقف إسرائيل خلفها، وتتم كذلك لعلاقات تربط بين شرائح مجتمعية مختلفة في الأعراق والديانات والمذاهب داخل تلك الدول.

بالطبع بعد خراب سوريا والعراق وليبيا وجزء من مصرعرفنا من استدرج هذه الدول وأنظمتها السياسية الشمولية عبر عمليات التخريب تلك لتتحول لأرض خصبة للفوضى.

أكذوبة «السلام مقابل السلام» التي يتفاخر نتانياهو بأنه حققها عبر عملية التطبيع مع دولة الإمارات، لا يوجد لها تطبيق حقيقي على الأرض، فالسلام أصبح أكثر بُعدا، واتفاقات أوسلو التي وفرت لإسرائيل سنين طويلة من الاستقرار النسبي بعد حقبتي السبعينات والثمانينات، اللتين لم تذق إسرائيل خلالهما طعم الأمن، هذه الاتفاقات لم تعد مطبقة على أرض الواقع، مما قد يشعل بركان الانتفاضة الفلسطينية من جديد.

وحينها سيتذكر الإسرائيليون جاريد كوشنر كطائر بوم ناعق أتى لهم بالخراب والدمار، وبدلا من سلام الشجعان سيتذكر الجميع أن هذا الفتى غير المؤهل سياسيا أتى للمنطقة بسلام الغربان.

تعليقات

اكتب تعليقك