د. عبداللطيف بن نخي: من السلبيات الخطيرة في المعارضة الشعبوية ارتباطها الجذري بصراع «الكبار» مما أجبرها على تبني منهجية انتقائية وسياسة فاجرة في محاربة الفساد

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 616 مشاهدات 0


من السلبيات الخطيرة في المعارضة الشعبوية ارتباطها الجذري بصراع «الكبار»، مما أجبرها على تبني منهجية انتقائية وسياسة فاجرة في محاربة الفساد. فتجدها تمتنع عن محاسبة بعض رموز الفساد وسرّاق المال العام وأحياناً تُحصّنهم، وفي المقابل تتعجّل وتتمادى في محاربة بعض آخر منهم. وكذلك تُبجّل نفر من «الكبار» وتُعيب نفراً آخر منهم كلما سطع نجمهم، حتى لو كان السطوع ناتجاً عن قيادتهم الحازمة لحملة استثنائية غير معهودة ضد متنفذين متهمين في قضايا فساد محلّية وعالمية. فتنعتهم مثلاً بالتستر على الفساد من دون غيرهم من المسؤولين السابقين.
إلى جانب انتقائية المعارضة الشعبوية في محاربة رموز الفساد وازدواجيتها في موقفها من «الكبار»، يعاني معظم أعضائها من الرعونة والتهور في توجيه الاتهامات، فيتهمون من دون أدلة قانونية معتبرة وقبل أن تكتمل التفاصيل والمعلومات لديهم. الشواهد على ذلك متعددة، ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى موقف واحد من بين المواقف التي وثّقها الدكتور عادل الصبيح في لقائه مع برنامج الصندوق الأسود. حيث أشار إلى أن النائب السابق مسلّم البراك استعان أكثر من مرّة بوثائق وهمية ضدّه. وفي إحدى هذه المرّات لوّح في المجلس بملف مدعياً أنه يحتوي تفاصيل تجاوزات مالية وسرقات في وزارة الصحة يعلم عنها الصبيح، وكان حينها وزيراً للصحة. فردّ عليه الصبيح مطالباً إياه بتقديم الملف إلى النيابة وإلا أُعتبر شريكاً في تلك الجرائم، ولكن البرّاك لم يقدّم الملف إلى النيابة.
رغم أن ارتباط المعارضة الشعبوية ببعض «الكبار» أكسبها زخما شعبياً وانتخابياً، إلا أن هذا الارتباط منعها من تبني مشاريع إصلاح مؤسسية ومنهجية رشيدة، لأن هذه المشاريع تقيّد وتعرقل دورها المحوري في الصراع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تقاعست وتخلّفت عن المطالبة بحرية تداول المعلومات وحق المواطنين في الاطلاع عليها، رغم كونها أحد متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة «لمكافحة الفساد» التي وقّعت عليها الكويت بتاريخ 9 /‏12 /‏2003. وتقاعسها لم يكن بسبب المقاومة الحكومية، بل بسبب الرفض من قبل بعض «الكبار». لذلك أعضاء المعارضة الشعبوية الذين حملوا راية مكافحة الفساد في مجلس 2003 والمجالس اللاحقة ونظراؤهم، جميعهم شركاء في التستر على الفساد.
نجاح المجلس الحالي في انتزاع حق المواطنين في الاطلاع على المعلومات، إنجاز كبير يُحسب لأعضائه وللنشطاء الذين طالبوا بتشريع القانون. وخير من يقدّر ويثمّن هذا الإنجاز هم جمعية الشفافية الكويتية والجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات. فقد صرّح رئيس جمعية الشفافية السيد ماجد المطيري «أن إقرار هذا القانون يعد علامة فارقة في جهود مكافحة الفساد» وأن القانون المقر سيساهم «في تحسين ترتيب دولة الكويت على المؤشرات الدولية وفق معايير الشفافية والنزاهة واحترام القانون والحريات والارتقاء بها إلى المكانة المستحقة».
وأما جمعية حرية تداول المعلومات، فرغم جهودها المضنية منذ عام 2015 في توعية المجتمع بماهية حرية تداول المعلومات وضرورة تقنينها، ورغم مساعيها لإرساء حق المواطنين في الاطلاع على المعلومات في عدد من مؤسسات الدولة عبر التواصل المباشر معها أو من خلال اللجان البرلمانية أثناء صياغة بعض القوانين المرتبطة بحرية تداول المعلومات؛ إلا أن الجمعية ما زالت غير مُشهرة بسبب هواجس حكومية من منح رخصة هذه الحرية لجمعية نفع عام، فما بالك بمنحها للجميع وفق قانون مُلزم.
لا شك أن الحاجة إلى إشهار الجمعية الكويتية لحرية تداول المعلومات تضاعفت بعد إقرار القانون، وعليه أناشد وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل إشهارها بالسرعة الممكنة. كما أدعو النوّاب إلى دعم طلب الإشهار لتمكين الجمعية من متابعة دورها الرائد والمكمّل خصوصاً في مرحلة إنفاذ القانون... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

تعليقات

اكتب تعليقك