داهم القحطاني: ما حصل في بيروت ليس كارثة بالمعنى التقليدي بل هو جريمة حقيقية تحولت فيها الدولة المبتلعة بنظام طائفي فاسد إلى ممارسة إرهاب الدولة ضد شعبها

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 527 مشاهدات 0


في اللحظة التي التهم الانفجار المرعب في بيروت كل ما تبقى من بقايا ملامح الدولة اللبنانية، برزت تساؤلات عدة حول دور الدولة الوطنية في بلداننا العربية، فهل هي الكيان الحامي للشعب والأرض، أم أنها تحولت بفعل عوامل الفساد، والشمولية إلى عدو يضاف إلى قائمة الأعداء؟

في السابق كنا نقول إن هذه الحكومة العربية أو تلك عدوة للشعوب، وأنه لابد من تغييرها بشكل سلمي أو ثوري، لكن ماذا يمكن لهذه الشعوب أن تفعل حين تتحول الدولة برمتها لتكون منظمة عدوة للشعوب، فلا يمكن الصمت على الكوارث التي تتسبب بها، كما حصل في جريمة الرابع من أغسطس في بيروت، ولا يمكن العمل على تغيير الدولة، لأنها كمنظومة محمية بالدساتير الشكلية، وأي محاولة لمقاومة الضرر الذي تتسبب به الدولة لشعبها، ولو بتغريدة، تعتبر هذه المحاولة خيانة عظمى للوطن.

وهنا تصدق المقولة الشهيرة «نموت نموت ويحيا الوطن»، والحقيقة أن هذا الموت يحصل ليس من باب التضحية بل من باب أن بعض الدول العربية كمنظومات أصبحت كالموت المتنقل الذي لا تملك الشعوب معه سوى أن تموت فعليا.

هذا ما حصل في بيروت الرابع من أغسطس 2020، وفي بغداد التاسع من مارس 2003 حين سقطت الدولة العراقية، وتكرر في عواصم عربية عدة، التهم النظام الحاكم فيها الدولة الوطنية، وأصبحت ألعوبة لديه، فسقطت مع سقوطه كما حصل في اليمن، وسوريا، ومصر وليبيا.

ما حصل في بيروت ليس كارثة بالمعنى التقليدي، بل هو جريمة حقيقية تحولت فيها الدولة المبتلعة بنظام طائفي فاسد إلى ممارسة إرهاب الدولة ضد شعبها.

ولو كان هناك وطني حقيقي في هذه الأمة العربية المبتلاة لأعلن حرب تحرير جديدة ضد هذه الدول اللاوطنية، ليعيدها إلى أن تكون جزءاً من الوطن، ولأن تعود لتكون حامية الشعب والأرض بدلاً من أن تكون سرطانا يفتك بكل ما في هذه الأوطان من جمال وخير.

مرة أخرى، كل ما تمت كتابته في هذه المقالة إلى حد هذه الفقرة يعتبر بمعايير الدساتير والقوانين العربية جريمة أمن دولة، ودعوة للفوضى والعنف، ففي دول سيقولون إنه خروج عن ولي الأمر، وفي دول أخرى سيقولون إن كاتبها ينتمي لجماعة غير قانونية تستهدف إطاحة نظام الحكم، وفي دول ثالثة سيتهمونني بالعمالة لإسرائيل والصهيونية العالمية، أما في بلدي فربما يعتبرونني مؤزماً مدفوعاً من الخارج، وربما يطلبون ملف جنسيتي لمحاولة التشكيك في انتمائي لوطني، ولن ينفعني إن قلت إن مشكلتنا ليست في نظام الحكم بل في الفلسفة السياسية التي يقوم عليها هذا الحكم العربي أو ذاك.

نعود إلى لبنان، فالدولة نظرياً سقطت رغم وجود مؤسساتها، واللبنانيون يطالبون وبشكل علني بعدم التعامل مع هذه المؤسسات.

قالتها مواطنة لبنانية للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون حين اخترقت الصفوف والطوق الأمني، وطلبت منه عدم إعطاء أي مساعدة لحكومة بلدها الفاسدة، فرد وعلى الملأ بالموافقة على مضمون طلبها.

الأمر اللافت أيضاً كان مطالبة لبنانيين كثر بعودة الانتداب الفرنسي مرة أخرى ليحكم محل الدولة الوطنية، وهي مطالبة على حد علمي لم تصدر من أي شعب آخر.

حصل ذلك ليس لأن اللبنانيين خونة، بل هم من أكثر الشعوب وطنية، والتظاهرات الإصلاحية الحاشدة منذ أكثر منذ عام لا تزال مستمرة، ولكن حين تتعرض أي دولة لتفجير مشابه لما حصل في بيروت، قد تتعدى المطالبات عودة الانتداب الأجنبي مرة أخرى، لتصل لربما إلى وضع الدولة تحت وصاية الأمم المتحدة إلى حين إيجاد دولة وطنية جديدة قادرة على القيام بالدور الوطني الذي يمنع تحول الطبقة السياسية إلى مجرد مستعمرين يرتدون ثياباً وطنية.

وحتى لا يصبح التشاؤم مدخلاً للخطاب المحبط الذي يجعل كل المشهد مظلماً نورد بعض التجارب الجيدة للدولة الوطنية العربية التي لديها نوع من الحكم القائم على الديموقراطية النسبية، وشيء من المشاركة الشعبية في الحكم، وإن كان ضئيلا إلى درجة أنه لا يرى إلا بعدسة «الميكروسكوب».

هناك دولة الكويت، التي ورغم كل التراجعات في السنوات الأخيرة، فإنها تعتبر مثالاً جيداً للدولة الوطنية، وينطبق التقييم نفسه وبدرجات متفاوتة وإن كانت أقل على المغرب، وتونس، والأردن.

تعليقات

اكتب تعليقك