د.عبداللطيف بن نخي: من يعتقد أن السيد مهاتير نموذج إصلاحي يفترض أن يقتدي بنهجه ويدعم بوادر مكافحة الفساد في الكويت لا أن يعرقلها باستجوابات يمكن تأجيلها
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يوليو 29, 2020, 10:57 م 652 مشاهدات 0
تعتبر المعارضة الرشيدة أحد الخيارات الإستراتيجية لمكافحة الفساد في المجتمعات الديموقراطية، وبالدرجة نفسها تعتبر المعارضة الشعبوية أبرز معوقات الإصلاح فيها. ورغم التباين الكبير في أولويات كل منهما والتناقض في آثارهما على مستقبل الكويت، إلا أننا كمواطنين نعاني من ضعف في التمييز بينهما. وذلك بسبب هالة التقديس للمعارضة الشعبوية التي خلقتها ماكيناتها الإعلامية الواسعة الانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي.
الدور الأخطر للمعارضة الشعبوية يتمثل في اختطاف مشاريع الإصلاح التي تبادر بها المعارضة الرشيدة، ومن ثم تحويل مسارها أو عرقلتها، عبر رسائل ملوّثة بالمغالطات تُفاقم الإحباط واليأس في المجتمع تجاه مؤسسات الدولة.
رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد كان محوراً لبعض هذه الرسائل الملوثة، حيث انتشرت خلال الأيام الماضية رسائل القصد منها خلق تصور مثالي للحالة الماليزية في محاربة الفساد، للتقليل من قيمة إجراءات محاربة الفساد المحلية، خصوصاً أنها أحرجت نوّاباً سابقين فشلوا على مدى سنوات عضويتهم في محاسبة رموز قضايا الفساد التاريخية، الذين تمت تبرئة وتحصين بعضهم لأخطاء فنية، وتهريب بعض آخر منهم إلى الخارج.
إحدى الرسائل الملوثة بشأن السيد مهاتير مفادها أنه خلال عشرة أيام من ترأسه الحكومة في مايو 2018، أُلقي القبض على رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزّاق و9 وزراء و 50 قاضياً وأعداد كبيرة من رجال الأعمال والشرطة، فضلاً عن استرجاع 50 مليار دولار إلى الخزينة الماليزية وإلغاء ضريبة السلع والخدمات. وكعادة المعارضة الشعبوية، هذه الرسالة تخلط حقائق نشرتها وكالات أنباء في أنحاء العالم بأخبار مفبركة، لا تجدها إلا في وسائل التواصل الاجتماعي.
من باب المثال على المغالطات في الرسالة، أتساءل كيف تكون الأموال المسترجعة 50 مليار دولار أميركي، في حين أن السلطات الماليزية والأميركية تقدر الأموال المنهوبة من الصندوق الماليزي بأقل من 5 مليارات. وأما المثال على الأخبار المبتورة، فنجده في إلغاء ضريبة «السلع» والخدمات، فالواقع هو أنها لم تُلغ بل استبدلت بأخرى كانت سارية قبلها وهي ضريبة «المبيعات» والخدمات.
من أجل بيان الجانب الخفي علينا من المساعي الماليزية في مكافحة الفساد، أستشهد بما صرح به السيد مهاتير في حلقة حديثة من برنامج «شاهد على العصر» في قناة الجزيرة. حيث قال إن العديد من المسؤولين المشتبه بهم في قضايا فساد في ماليزيا ما زالوا في مناصبهم لعدم كفاية أدلة الإدانة، وأن الكثير من الفاسدين الذين تتوافر ضدهم أدلة كافية لم يحولوا إلى القضاء حتى الآن، بسبب انشغال النائب العام وتزاحم قضايا الفساد المنظورة في المحاكم.
ومن أجل إدراك منهجية السيد مهاتير في محاربة الفساد، ينبغي الإشارة إلى أنه كان يدعم رئيس الوزراء الأسبق السيد رزّاق منذ توليه رئاسة الحكومة في 2009 إلى ما بعد انتخابات 2013. أي أن الدعم استمر بعد إنشاء الصندوق السيادي في 2009 ورغم استمرار المظاهرات الشعبية ضده - على خلفية شبهات فساد - وتفاقمها قبل انتخابات 2013.
السيد مهاتير لم ينفِ تلك الحقائق في تلك الحلقة المتلفزة، بل أكدها وأكد أن موقفه من السيد رزاق وسائر المشتبه بهم في قضايا فساد، نابع من احترامه لسيادة القانون والتزامه بقواعد الحكم الرشيد. فهو لا يعتد بالاتهامات الصادرة من المعارضة السياسية - التي تحترف بصفتها توجيه الاتهامات - ما لم تكن مقترنة بأدلة قانونية.
المراد أن السيد مهاتير ما كان لينجح في انتخابات 2018 ثم محاكمة السيد رزّاق ورفاقه، لولا تحالفه مع السيد أنور إبراهيم، المسجون آنذاك على خلفية قضايا فساد مالي وجنسي. لذلك، من يعتقد أن السيد مهاتير نموذج إصلاحي، يفترض أن يقتدي بنهجه ويدعم بوادر مكافحة الفساد في الكويت لا أن يعرقلها باستجوابات يمكن تأجيلها... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات