وقفات مع شهر رجب المحرم
مقالات وأخبار أرشيفيةصور الظلم والابتداع في الدين
يونيو 29, 2009, منتصف الليل 3553 مشاهدات 0
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ،،
لا شك أن شهر رجب من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله في كتابه العزيز حيث قال ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) سورة التوبة أية 36 ، والأشهر الحرم التي ذكرها الله هي: رجب الفرد ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وقد سميت حُرما لزيادة حرمتها ، وتحريم القتال فيها ، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من أن نظلم فيها أنفسنا .
ومن صور الظلم التي نراها عند بعض المسلمين في هذا الشهر الحرام هي الابتداع في الدين ، وهو من الظلم الخطير الذي يخشى على صاحبه الخسران المبين .
ومن تتبع حال الكثير من المسلمين في هذه الأيام فلاشك أنه سوف يصاب بالذهول لما يراه من قيامهم من ببعض الأعمال التي يعتقدونها من الإسلام والحقيقة أن الإسلام بريء منها ، وكل ذلك بسبب قيام بعض المنتسبين إلى الإٍسلام بوضع البدع في هذا الشهر العظيم ، وهي كثير وسوف نبينها من خلال هذه الأسطر التي أسأل الله الكريم أن يشرح لها صدور المسلمين .
وقبل أن نشرع ببيان هذه البدع ، ينبغي لنا أن نبين للجميع أهمية إتباع النبي صلى الله عليه وسلم وخطورة الكذب عليه .
قال الله تعالى ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) سورة الحشر أية 7 ، قال العلامة السعدي : وهذا شامل لأصول الدين وفروعه ، ظاهره وباطنه ، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به وإتباعه ، ولا تحل مخالفته ، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه ، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله ، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح ، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم ، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي أ.هـ تفسير السعدي .
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال . قال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة . صحيح الجامع ، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : ومحدثات الأمور هي كل ما أحدثه الناس في دين الإسلام من البدع في العقائد والعبادات ونحوها مما لم يأت به كتاب ولا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتخذوه دينا يعتقدونه ، ويتعبدون الله به زعما منهم أنه مشروع وليس كذلك، بل هو مبتدع ممنوع أ.هـ .
البدع التي أحدثها الناس في رجب .
أولاً : ذبح العتيرة ( الذبيحة ) في رجب : يقوم البعض بذبح شاة عن دخول شهر رجب ، والحقيقة أن هذا الأمر كان مشروع في بداية الأمر ثم نسخ بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا فَرَعَ ولا عَتِيرَة ) رواه البخاري ( 5474) ومسلم (1976) .
ثانياً : صلاة الرغائب : وهي اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثا والإخلاص ثنتي عشرة مرة وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعين مرة ويدعو بما شاء . وهي بلا شك بدعة منكرة وحديثها موضوع بلا ريب ، قال النووي رحمه الله تعالى ' واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر ' ا.هـ شرح مسلم 8/20 .
ثالثاً : صلاة النصف من رجب : وفيها حديث موضوع : (( من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد عشرين مرة ...... )) الخ الموضوعات لابن الجوزي .
رابعاً : صلاة ليلة المعراج : وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى : صلاة ليلة المعراج وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح لا من كتاب ولا سنة ( أنظر : خاتمة سفر السعادة للفيروز أبادي /150 التنكيت لابن همات /97) .
خامساً : صيام رجب : رجب كغيره من الأشهر لم يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح بل يُشرع أن يصام منه الاثنين والخميس والأيام البيض لمن عادته الصيام كغيره من الأشهر أما إفراده بذلك فلا ، أما ما يذكره الوعاظ والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب كحديث ( إن في رجب نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل من صام يوما من رجب شرب منه ) وهو حديث موضوع رواه ابن الجوزي في الواهيات (912) وقال الذهبي ' باطل ' ا.هـ الميزان 6/524 .
سادساًً : العمرة في رجب : يخص بعض المسلمين شهر رجب بعمرة ظنا منهم أن لها فضلا وأجرا ، والصحيح أن رجبا كغيره من الأشهر لا يخص ولا يقصد بأداء العمرة فيه ، و الفضل إنما في أداء العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع فقط ، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وقد أنكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . ولا تغتر أخي القارئ وأختي القارئة من الذي يروج له بعض أصحاب المكاتب التجارية من القيام بعمرة في شهر رجب وما لها من خصوصية ، فهذا كله باطل كما ذكرت قبل قليل ، ولكن الغفلة وحب المال من قبل البعض ، والله المستعان .
سابعاً : الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج : وهذه الاحتفالات في ليلة سبع وعشرين من رجب ، والتي يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج باطلة من أساسها ، لأنه لم يثبت أنه أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة بالذات ، والعلماء على خلاف في أي ليلة تم فيها الإسراء والأقوال في ذلك كثيرة ، فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون ، ومن تبعهم من السلف الصالح ، وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح .
قال ابن قيم الجوزية : (( قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ولا يعرف عن أحد من المسلمين أن جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها ، لاسيما على ليلة القدر ، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها ، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت )) .
أخيراً ..
أختم بما قاله الإمامان الجليلان ابن القيم وابن حجر رحمهما الله ، قال ابن القيم ' كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى ' ا.هـ المنار المنيف /96 وقال الحافظ ابن حجر ' لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ' ا.هـ تبيين العجب / 11 ( وأنظر : لطائف المعارف /228 ) .
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا لإتباع السنة واجتناب البدعة إنه جواد كريم والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. عبد المحسن زبن المطيري
استاذ التفسير – كلية الشريعة – جامعة الكويت
تعليقات