‫داهم القحطاني: حين بدأ مرض بوغازي الأخير لم ينقطع فيصل القناعي عن العالم وكان رحمه الله يقاوم الآلام بالصبر والإيمان وبابتسامة الرضا بقدر الله فقد كان رحمه الله متديناً بطبعه‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 936 مشاهدات 0


من الصعب أن تظل حاضراً ومؤثراً في الأوساط الإعلامية لمدة عشرين عاماً، إلا إذا كنت صحافياً تحمل من الموهبة الكثير، ولديك القدرة على التواصل مع الجميع.

أما إذا استمر حضورك اللافت والمؤثر لخمسين عاماً، فحتما ستكون شيخ الصحافيين الرياضيين، الأخ الكبير فيصل القناعي، الذي وافته المنية الجمعة الماضي، فالاستمرار والنجومية لم يكونا ليحصلا إلا لإنسان محبوب، ولصحافي موهوب، ولشخصية تتحرك بوعي وفكر، وهو ما كان عليه بوغازي، رحمه الله.

ذات يوم كنت في غرفة المحررين البرلمانيين في مجلس الأمة، التي كانت تقع قرب مدخل النواب والوزراء.. وكنت للتو قد أصدرت بياناً باسم نقابة الصحافيين والمراسلين أهاجم فيه جمعية الصحافيين الكويتية التي يتولى فيصل القناعي أمانة السر فيها. تفاجأت حينها بوزير الخارجية السابق الشيخ الدكتور محمد صباح السالم، وهو يربت على كتفي من الخلف ويقول مبتسماً «يا ويلك من فيصل»، فتبسمت وقلت له «بوغازي منّا وفينا».

بالفعل كان، رحمه الله تعالى، من الجميع وفيهم، فقد كان أخاً أكبر حتى مع الذين يختلفون معه في الرأي والموقف، وقد ساهمت روح بوغازي الطيبة ودمه الخفيف في إزالة كثير من الاحتقان في الأوساط الرياضية والصحافية.

كانت المناكفات بين نقابة الصحافيين والمراسلين التي أنشأناها بين عامي 2005 و2008 برئاسة الكاتب زايد الزيد، وبين جمعية الصحافيين على أشدها، ومع ذلك لم نتأثر جميعا في علاقتنا كأشخاص بهذه الخلافات، فالكويت مميزة بالفعل بهذه الخصلة، بفضل وجود شخصيات، كفيصل القناعي، لا تفجر في الخصومة مهما اشتدت الخلافات وآذت.

فيصل القناعي كان في مناصبه الدولية قوة ناعمة للكويت، حيث تولى منصب نائب رئيس الاتحاد الآسيوي للصحافة الرياضية، وعضوية لجنة الاتصالات في اتحاد اللجان الوطنية الأولمبية الدولية، ومناصب أخرى متعددة، كان فيصل القناعي فيها يمثل الكويت بانفتاحها وديموقراطيتها وتطورها، ودورها القيادي الداعم للدول الأخرى. 

حين اكتسَحَت مواقع التواصل الاجتماعي العالم بأسره تفاجأت شخصياً بأن بوغازي كان من أوائل من استوعب هذا التحول الجذري وشارك فيه بقوة، ولم يستغرق وقتاً طويلاً في التردد والتفكير كما حصل لكتّاب مرموقين كثر، فقدوا نجوميتهم وتأثيرهم لأنهم لم يستوعبوا حجم التغيير في هذا العالم المتسارع.

حين بدأ مرض بوغازي الأخير لم ينقطع فيصل القناعي عن العالم، وكان رحمه الله يقاوم الآلام بالصبر والإيمان وبابتسامة الرضا بقدر الله، فقد كان رحمه الله متديناً بطبعه.

وحين تعثرت حركته تحول ديوانه الأسبوعي إلى حدث شهير في الكويت، حيث كان يتم نشر أخبار من يزور هذا الديوان في وسائل التواصل الاجتماعي، فكان نمطا جديدا في التناغم بين الديوانية كتراث كويتي، وبين وسائل التواصل الاجتماعي كمظهر للتطور.

إلى آخر لحظات حياته حرص على التواصل مع محبيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بخفة دمه المعتادة، حيث ظهر في مقطعه الأخير، وهو يودع العالم بابتسامته الشهيرة.

حين انتشر خبر وفاته رحمه الله كانت أكثر العبارات انتشارا «الله يرحمه كان طيب»، وبالفعل كان من أطيب الناس. 

رحم الله فيصل القناعي وأسكنه فسيح جناته.

تعليقات

اكتب تعليقك