عبداللطيف بن نخي: من أهم أسباب تفاقم الفساد الحكومي هو استشراء الفساد في الطبقة السياسية بضفتيها الموالاة والمعارضة
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي مايو 20, 2020, 11:42 م 746 مشاهدات 0
نشرت جريدة «الجريدة» في صفحتها الأولى في الأسبوع الماضي مقالاً بقلم الشيخ ناصر صباح الأحمد عنوانه «إحياء الميناء»، حول تجدد بل تنامي الحاجة إلى تحقيق رؤية 2035 بعد أن كشفت لنا جائحة «كوفيد-19» الكثير من مواقع الضعف والخلل. ودعا إلى تعجيل تنفيذ مشاريع بناء الموارد غير النفطية التي تأتي في مقدمتها إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية التي تضم ميناءً دولياً. ما يهمني هنا، هو إشارته إلى أبرز مقومين لتحقيق الرؤية: الأول حُسن الإدارة ومحاربة الفساد، والثاني معالجة الانغلاق وتنمية ثقافة الانفتاح على الجميع التي تنتج عقولاً مبدعة ونفوساً متسامحة وصدوراً تسع الجميع.
من أهم أسباب تفاقم الفساد الحكومي هو استشراء الفساد في الطبقة السياسية بضفتيها: الموالاة والمعارضة، ولذلك لا يجد سرّاق المال العام السياسيون صعوبة في الانتقال بين الضفتين، ولا نستغرب نحن المواطنون عندما نجد معارضاً فاسداً يتصدى إعلامياً لفساد الحكومة.
السياسيون الفاسدون على الضفتين كانوا ولا يزالون يتجنبون أو يعرقلون تشريع قوانين تعزز الشفافية والنزاهة، ويتغافلون أو يشاركون في تحجيم صلاحيات وكفاءة مؤسسات وأدوات الشفافية والنزاهة، ويكتفون بالتبني الإعلامي لملفات فساد انتقائية - حقيقية ومفبركة - من أجل الفوز في لعبة تبديل الكراسي بعيداً عن الإصلاح المنهجي. فعلى سبيل المثال، تقاعس «حماة المال العام» عن تشريع قوانين لضمان حرية الحصول على المعلومات أسوة بالدول الديموقراطية التي تمارس هذه الحرية منذ عشرات السنين.
أغلب مشاهد محاربة الفساد في الكويت لا تتعدى كونها مقاطع من سيناريو مسلسلين جماهيريين «المعركة السياسية» و«صراع المصالح». ومجمل المجتمع غير قادر على تمييز الشخصية الإصلاحية الحقيقية عن الشخصيّات الخيالية التي يمثّل أدوارها سياسيّون نجوم وكومبارس. بل إن معظم مؤيدي الإصلاح يرفضون الإقرار بزيف وفساد نجومهم ولو كشفت لهم الشواهد والدلائل.
رغم أن الارتباط بين الفساد والانغلاق متين، إلا أن موانع الانفتاح أكثر تعقيداً من معوّقات مكافحة الفساد. فالمجتمع الذي يطالب بمكافحة الفساد، تجده في ذات الوقت يتجاهل أو يشجب مساعي معالجة حالة الانغلاق الفكري الديني، ولو كان هذا الساعي بطلاً وطنياً كالراحل فارس التحرير الشيخ سعود الناصر وزير الإعلام الأسبق، الذي اضطر إلى تقديم استقالته بعد إجازته عرض بعض الكتب في معرض الكتاب العربي.
مظاهر الانغلاق الفكري الديني كثيرة، وبعضه ما يتم عرضه في برامج دينية متنوعة عن امور ما زالت تثير اشكالات وهي غير محسومة، والمراد أن المجتمع الذي اشتطّ غضباً من شبهة فساد، لم يستنكر هذا الانغلاق الحكومي الاستفزازي البيّن. والشاهد أن حماة المال العام المزيّفين تجاهلوا أيضاً هذا السلوك الاستفزازي، كعادتهم في التهرّب عن التصدّي لمثيري الأزمات الطائفية والتقاعس عن تقنين وغرس ثقافة التعدّدية، رغم إدراكهم أن هذه الأزمات صنيعة قوى الفساد كلما أرادت أن تمرّر صفقة مريبة. وبذلك ساهم المزيّفون مرة أخرى في استدامة الانغلاق والفساد... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات