داهم القحطاني: سمعنا في شبكات التواصل الاجتماعي أصواتاً مصرية عديدة من المقيمين في الكويت وممن كانوا يقيمون فيها تتحدث عن الكويت بإنصاف وحب وتقدير فلماذا لا يكون هؤلاء نقطة البداية لتصحيح مسار العلاقة مع الكويت؟
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني مايو 17, 2020, 10:42 م 724 مشاهدات 0
طوال نحو 14 سنة تابعت ما يُنشر عن طبيعة العلاقات الكويتية ـــــ المصرية على مستوى التفاعل الشعبي، وبما يتضمنه كل ذلك من أخبار سياسية وأمنية تمسّ الطرفين.
وتكوّنت لديَّ قناعة، مفادها أن الاحتقان في هذا الملف لن ينفجر قريبا لأسباب عدة؛ منها أنه وفي مقابل هذا الاحتقان الذي أصبحت أسبابه معروفة، هناك أيضا علاقات إيجابية تجمع الطرفين، وتتمثل في حركة السياحة النشطة للكويتيين في مصر، وتتمثل أيضاً في تفضيل المصريين للكويت لتكون وجهتهم الأولى للعمل والاستقرار، رغم كل ما يصدر في وسائل اعلام خليجية وعربية من استطلاعات رأي موجهة، تدَّعي أن مدناً خليجية أخرى هي الأكثر استقطاباً للشباب العربي، أو ما ورد في استطلاع موجه آخر يدَّعي أن الكويت أكثر البيئات الطاردة للمغتربين.
المعادلة التي بنيت عليها توقّعاتي المتفائلة بعدم تفجّر ملف العلاقات الكويتية ـــــ المصرية على المستويين الشعبي وشبه الرسمي تغيّرت تماماً بسبب الجائحة والنائحة.
أما النائحة فهي مجمل الأصوات الكويتية الغاضبة التي واجهت بالنقد عالي السقف كل ما يصدر عن البعض في الجالية المصرية في الكويت من أفعال سلبية تتضمن تعديات صارخة على القانون ، وتحويل هذا النقد عبر منصات البرلمان ، والصحافة ، وشبكات التواصل الاجتماعي إلى حملات تستهدف وقف هذه الأفعال وهذا التعدي ، وتوجه في المؤدى العام، ضد كل الجالية المصرية في الكويت تحت شعار " الخير يخص ، والشر يعم ".
وقد ساعد في انتشار هذه الأصوات الغاضبة عدم قيام الطرف المصري، سواء على مستوى السفارة أو على مستوى الجالية المصرية، بمعالجة هذه الأفعال السلبية والاكتفاء بتجاهلها، وأحيانا نفيها بالمطلق من دون بذل جهد لطمأنة القلق الشعبي الكويتي المتنامي تجاهها.
الغريب أن أطرافاً كويتية ترتبط ذهنياً وعاطفياً بمصر لأسباب ثقافية أو شخصية، كانت هي التي تدافع عن الطرف المصري، وتخفّف الآثار، وتجتهد في ايجاد المبررات.
وساعد أيضا في تنامي هذه الأصوات الكويتية الغاضبة ما كان يبث وينشر في وسائل الإعلام المصري من حملات مضادة، قامت أيضاً على أسلوب «الخير يخص، والشر يعم».
وهي حملات نفهم منها، كمحللين سياسيين وكإعلاميين، أن الغرض منها ليس الدفاع عن الجالية المصرية هنا في الكويت، فهي حملات في مضمونها لم تكن ردّاً على الأصوات الكويتية، بل مجرد حالة من الحشد الإعلامي تجاه فكرة الوطنية اليمينية المتطرفة التي يواجه بها الإعلام المصري، عادة، ما يعتبره حملات إعلامية «إخوانية» مدعومة من بعض الدول لإضعاف الدولة المصرية؛ ولأن حالة الحشد مطلوبة دوماً في الشارع المصري قام هذا الإعلام الموجه بمواصلتها ضد الكويت.
أما الجائحة، فتمثّلت في التغيير الذي أحدثه وباء «كورونا» في طبيعة التأزم في العلاقات الكويتية ـــــ المصرية على المستوى الشعبي، فبعد أن كانت قضية جدلية تخضع للقبول والرفض، بدا أن هناك رأياً شعبياً كويتياً كبيراً حسم أمره، وقرر أن معالجة ملف العمالة المصرية في الكويت أصبحت مسألة تتعلّق بالأمن الوطني الكويتي.
لماذا حصل هذا التحوّل؟
حصل لسببين: رفض الحكومة المصرية استقبال مواطنيها المخالفين لقانون الإقامة ومماطلتها في ذلك، وتسبّبت هذه المماطلة في تعريض النظام الصحي الكويتي لخطر الانهيار، وبالتالي تهديد حياة مئات الآلاف من الكويتيين. ويلاحظ في هذا السياق أن الغضب الشعبي الكويتي امتد أيضاً للجالية الهندية التي لم توافق حكومتها على ترحيل عمالتها المخالفة، لكن هذا الغضب لم يتفاعل بقوة، لعدم وجود موقف إعلامي هندي مضاد للاجراءات الكويتية، ولعدم حصول أحداث شغب في مراكز الإيواء المخصصة للعمالة الهندية.
وهذا في مجمله عكس ما حصل من الطرف المصري، حيث تعرّضت الكويت لحملات ضغط في الإعلام المصري لم تتوقف إلى ساعة كتابة هذه المقالة، كما أن أحداث الشغب التي قام بها مصريون في مراكز الإيواء خلقت حالة من الاحتقان الغاضب لدى معظم الكويتيين، وجعلهم يشعرون بأن جزءاً من بلدهم مختطف.
وللإنصاف، فإن معظم الجالية المصرية في الكويت منضبطة، وتساهم بالفعل في إدارة مرافق حيوية، وليست لديها ظواهر عدائية كنمط سلوكي، لكن حالة الاحتقان المتصاعدة تسبّب فيها قلة مقامرة من هذه الجالية، تعتبر الكويت ساحة مفتوحة، يُباح فيها كل شيء من مخالفات وفساد وتعدٍّ.
كما ساعد في تصاعد هذا الاحتقان أن وسائل الاعلام المصرية لم تنتبه إلى خطورة التصعيد ضد بلد، يوفر العمل لنحو 700 ألف مصري، يتمتع معظمهم بالاستقرار الوظيفي والاجتماعي، وكثير منهم قرر أن تكون الكويت مستقرّاً له، بدلاً من بلده مصر.
معالجة التأزّم في العلاقات الكويتية ـــــ المصرية تتطلب معالجة من الطرفين، لكن الجزء الأكبر منها يتركّز في الطرف المصري؛ فالأصوات الكويتية الغاضبة ستختفي وتصبح معزولة، إن قامت السلطات المصرية بجهد أكبر في ضبط تجارة الإقامات من الجانب المصري؛ فالتساهل في ذلك تحت شعار أن النتيجة في النهاية ستكون توفير مزيد من التحويلات الخارجية سيؤدي إلى خلق صورة نمطية سلبية عن مستوى مهارة الكفاءات المصرية في الكويت وانضباطها.
وهي صورة نمطية سلبية قد تنعكس في دول أخرى، لا تتساهل في منح تأشيرات العمل، فيخسر مئات الألوف من المصريين فرص العمل في دول عدة، بسبب عدم معالجة التأزم في العلاقات الشعبية مع بلد مهم جدّاً من حيث توفير فرص العمل للشباب المصري، وهو الكويت.
سمعنا في شبكات التواصل الاجتماعي أصواتاً مصرية عديدة من المقيمين في الكويت، وممن كانوا يقيمون فيها، تتحدث عن الكويت بإنصاف وحب وتقدير، فلماذا لا يكون هؤلاء نقطة البداية لتصحيح مسار العلاقة مع الكويت؟
لتكن أحداث «الجائحة» بداية لفهم «النائحة».
تعليقات