غانم النجار: كشف فيروس كورونا في وسط الأزمة الصحية لنا فداحة الخلل بالتركيبة السكانية، وأن الإبقاء عليها كما هي وحماية المتاجرين بالبشر من المواطنين والمسؤولين هي مسألة أمن وطني

زاوية الكتاب

كتب غانم النجار 691 مشاهدات 0


يتبادر إلى الذهن عندما نقرأ عن تجار إقامات أنها مهنة، أو وظيفة أو تصنيف تجاري، مثله مثل أي تجارة عادية. فهل هناك ترخيص يصدر من وزارة التجارة باسم "تاجر إقامة"؟ بالطبع لا يوجد. وبالتالي مع التكرار نخلق فئة وهمية غير موجودة على أرض الواقع، وبالتالي فإنه لا توجد تهمة قانوناً باسم "تجارة الإقامة". في زمن مضى عندما انفجرت فضيحة الإيداعات المليونية لنواب سابقين كتبت حينها مقالاً أوضحت فيه أن القانون لا يجرمهم، بحكم أنه ليس إلا تضخماً لدخل النواب، وكل ما على النائب المتضخم دخله إثبات المصدر، وهكذا كان. لم تتم إدانتهم فحسب، بل عاد بعضهم فائزين في الانتخابات التي تلت ذلك.

نحن نجتر مصطلح تجار الإقامات اجتراراً منذ زمن بعيد، ومازال أولئك التجار المفترضون في مكانهم، في مخيلتنا، وعلى نفوذهم، وهم غير موجودين على أرض الواقع، حتى كادوا أن يكونوا وهميين، لا نراهم بل نرى آثارهم، تدينهم المحاكم حسبما قيل، وترفض الحكومة نشر أسمائهم، أقصى عقوباتهم إغلاق شركاتهم الوهمية أو الحقيقية، دون عقاب أصحابها، أو إجبارهم على تحمل مصاريف سفر عمالتهم، أو عقاب المسؤولين الذين يسهلون لهم جلب العمالة. أولئك التجار الافتراضيون، لهم أثر وليس لهم وجود جسدي، مثلهم مثل فيروس كورونا، نرى أثره المدمر، فهو ليس بكائن حي، ولكننا لا نراه. الآثار المدمرة للفيروس ستذهب يوماً ما، أما أولئك المتاجرون بالبشر والمسؤولون الداعمون، فإن آثارهم المدمرة نخرت ومازالت وستستمر في نخر المجتمع وتدمير مكوناته وصحته الجسدية والنفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

هم ليسوا إلا تجار بشر، ويجب تسميتهم "تجار بشر"، فتلك التجارة جريمة قانوناً، كما هي تجارة الرقيق الأبيض، أو تجارة المخدرات، أو استغلال الأطفال، فتلك جرائم يعاقب عليها القانون، أما تجارة الإقامات فلا توجد في القانون ولا توجد لها عقوبة.

منذ سنوات طويلة ومسؤول تلو المسؤول يخرج علينا بتصريح بأنه تم القضاء على تجارة الإقامات، حتى جاء فيروس كورونا، بكل ما فيه من ملامح جينية متشابهة مع تجار الإقامات، ليكشف فداحة المشكلة.

كشف فيروس كورونا في وسط الأزمة الصحية لنا فداحة الخلل بالتركيبة السكانية، وأن الإبقاء عليها كما هي وحماية المتاجرين بالبشر من المواطنين والمسؤولين هي مسألة أمن وطني. ويبقى كما أشرنا أن الفيروس سيذهب يوماً ما، أما تجار البشر فهم ذلك الفيروس المتأصل في جذور المجتمع، فهل تظهر الجهات المعنية جدية في ملاحقة تجار البشر كما تفعل في التضييق على الحريات والرأي؟

تعليقات

اكتب تعليقك