الشيخ ناصر صباح الأحمد: جائحة الوباء «كوفيد- 19» لم تكن السبب في معظم العيوب والإسقاطات التي تعانيها الدولة بل هي انعكاس جليّ لسوء تعاملنا وضعف الاستثمار الأمثل لوفرة النفط
زاوية الكتاب
يطيب لي أن أتقدم للشعب الكويتي بخالص التهاني بمناسبة شهر رمضان المبارك، أعاننا الله على صيامه وقيامه، راجياً المولى عزّ وجلّ أن يسبغ علينا من رعايته ولطفه ما نتجاوز به الجائحة الصحية التي تعيشها بلادنا والعالم في هذه الأيام.
وأتقدم بالشكر والعرفان لأبنائنا وبناتنا المتفانين في الصفوف الأولى من كادر طبي ومتطوعين، سائلاً الله تعالى لهم التوفيق والسلامة.
يقول المولى في كريم بيانه «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ»، إن في تلك الآية الكريمة رسالة بُشرى على أن ما نقاسيه اليوم من وقائع الجائحة الصحية يحمل في طياته الخير الذي أردناه دائماً.
إن جائحة الوباء «كوفيد- 19» لم تكن السبب في معظم العيوب والإسقاطات التي تعانيها الدولة. بل هي انعكاس جليّ لسوء تعاملنا وضعف الاستثمار الأمثل لوفرة النفط. والتي أظهرت بالنتيجة ضعفنا بالمقارنة مع المجتمعات المتقدمة.
ولعلّ الحديث عن استثمار ما أنعم الله به علينا من نعمة النفط يدفعني للتأكيد أن رؤية صاحب السمو (الكويت 2035)، والتي ارتكزت على هذا الأساس جاءت بقراءة رجل مخضرم عاش الفترتين الزمنيتين، وعرف مكامن القوة والضعف بينهما، وكيف نحقق التكامل بين وفرة المال واستدامة الدولة.
ولعل جائحة «كوفيد- 19»، جاءت لتؤكد ما أقرّته «رؤية 2035» وعزّزت لنا ما كنّا نراه من أنّ وفرة المال لا تعني بالضرورة قدرتنا على تحاشي آثار المشكلات التي نعانيها. فبالرغم من حجم المصروفات الضخمة التي تبذلها الدولة، تبدو نتائجنا أضعف بكثير من نتائج بعض الدول النامية، والتي لا تتمتع بما نمتلكه من إمكانات.
فرؤية سمو الأمير- حفظه الله- تناولت في شمولها وتفاصيلها كل معاناة الدولة والمجتمع على جميع الصعُد لبناء المواطن ومستقبله. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتكزت الرؤية على بناء الموارد غير النفطية، وتطوير التعليم، وتحسين صحة الإنسان والبيئة، وتعزيز المستوى الثقافي، ومعالجة اختلال التركيبة السكانية، وتحقيق الأمن الاستراتيجي، والتوجه نحو الصناعات النفطية والطاقة البديلة، ومعالجة كل ما يعترض من عقبات تعوق وصول دولة الكويت إلى مصاف المجتمعات المتقدمة بحلول عام 2035. إلا أننا بالرغم من مرور 10 سنوات من اتفاق مؤسسات الدولة على تنفيذ «رؤية 2035» لم نقم بما هو مطلوب. ولعل هذه الجائحة الصحية تجعل من هذه الرؤية حتمية التطبيق من أجل الكويت ومستقبلها.
لقد جاءت رؤية الكويت 2035 بأمر من صاحب السمو وبتكليف الديوان الأميري للسيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي اختار بدوره مجموعة من المؤسسات والشخصيات المحلية والدولية للمساعدة والمساهمة في وضع هذه الدراسة العلمية المهمة في سبيل الوصول بالكويت إلى مصافّ المجتمعات المتقدمة بحلول عام 2035؛ لنكون متفاعلين مع التحول الكبير الذي كنّا نتوقعه في القادم من السنين.
وقد بدأت الدراسة عام 2008، وكان أبرز ما انبثق منها مشروع إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية، والتي تضم ميناءً دولياً لتكون هذه المنطقة جامعاً لمصالح العالم، ومحققاً مصلحة الأمن القومي للكويت، ورافداً اقتصادياً معيناً لموارد النفط وصندوق الأجيال القادمة. كذلك أكدت الدراسة التوسع في مجال البتروكيماويات، عوضاً عن الاعتماد على تصدير النفط الخام. ولتحقيق تلك الرؤية يجب على الإدارة إثبات فعاليتها في حُسن الإدارة ومحاربة الفساد.
إن قدَر الكويت أن تكون ميناء شمال الخليج الذي أكسب الكويت والكويتيين مكانة إقليمية ودولية مهمة نتيجة اتصال المجتمع الكويتي بالشعوب والمجتمعات والثقافات المختلفة. ذلك الميناء المنفتح على الجميع، والذي أنتج لنا عقولاً منتجة ونفوساً متسامحة وصدوراً تسع الجميع. ولا بدّ أن يستجيب القدر لعودة الحياة إلى مينائنا من جديد. ورُبّ ضارّة لنا في هذه الأيام نافعة لنا فيما سيأتي.
تعليقات