‫د.فيصل ملفي المطيري: فكرة إنهاء العام الدراسي أو إطالة أمد تعليق الدراسة حتى انحسار الوباء هو عمل تفسره حقيقة واحدة وهي «فاقد الشيء لا يعطيه»‬

زاوية الكتاب

كتب الآن 564 مشاهدات 0


حتى هذه اللحظة، لم تكن رؤية وزارة التربية في التعامل مع عواقب تعليق الدراسة واضحة المعالم، ولم تعلن بعد أي خطة طوارئ أو حلول بديلة تضمن استمرارية العملية التعليمية بطريقة آمنة، ولم تفصح بأي شكل من الأشكال عن اتجاهاتها وسياساتها العامة نحو تفعيل وضع التعليم عن بعد في نظامها. هذا التأخير قد يعود لسببين لا ثالث لهما: أولهما يعول على مبدأ «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة»، والسبب الآخر بلا شك ينازع حقيقة «فاقد الشيء لا يعطيه». 

أغلب قرارات إغلاق المدارس والكليات التي صدرت في الدول الأخرى التي أصابها الوباء، كانت مقترنة بالدعوة المباشرة الى التعليم عن بعد، وهذا لم يحدث في الكويت، بالرغم من أن أصحاب القرار يدركون تماما أن الاستمرارية في ظل هذه الظروف مرهونة فقط بمفهوم التعليم عن بعد، فإن المعضلة الأساسية التي تواجههم تكمن وراء قرار تحديد نموذج «التعليم عن بعد» المناسب للإمكانات المادية والبشرية للوزارة، وفي الوقت نفسه لخصائص وظروف أطراف الحالة التعليمية الكويتية.

بالفعل، التعليم الإلكتروني هو أهم وأحدث نماذج التعليم عن بعد وأكثرها قيمة وفعالية، ولكن التأني في اعتماده هو قرار عقلاني بصراحة، لأن عملية التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني تحتاج خطة مدروسة، فهي إما أن تكون عملية تحول كاملة تشمل جميع مكونات العملية التعليمية بما فيها الاختبارات، أو تكون عبارة عن تحول جزئي يتعامل مع مكونات محددة من تلك العملية، فالأولى عملية معقدة تحتاج خطة وطنية بعيدة المدى، لا خطة طوارئ، أما الثانية قابلة للتطبيق الفوري حين تكون جزءاً من إطار عمل مدروس.

فإذا كانت الوزارة تبحث عن إطار عمل آمن تستطيع من خلاله إدارة ومراقبة وتقويم العملية التربوية وضمان جودتها لجميع صفوف النقل والثانوية العامة، فما عليها سوى تصميم نموذج تعليم عن بعد خاص بها، أي نموذج خاضع للمراقبة والتحكم في مدخلاته، ويعكس الواقع الطبيعي للممارسات التقليدية التي اعتاد عليها الطالب والمعلم داخل الفصل الدراسي، والتي عادة ما يكون فيها المعلم محوراً للعملية التعليمية (حقيقة علمية، طبقاً لبحوث ودراسات تربوية كويتية). 

وهذه المتطلبات هي أبسط ما يمكن أن يقدمها نموذج التلفزيون التعليمي على سبيل المثال، ويمكن أن تزيد الوزارة من جودة هذا النموذج وتحديثه بمزجه مع التعليم الإلكتروني وما توفره المستحدثات التكنولوجية الصديقة والمألوفة من إمكانات في حل الواجبات وتسليمها والتفاعل مع الأقران والمعلمين حول ما يقدمه معلمو الشاشة.

أما فيما يخص التعليم العالي، فعلى الوزارة التخلي عن المركزية والتخفيف من تراكم المسؤوليات على عاتقها، من خلال منح مزيد من الثقة والصلاحيات اللازمة لمؤسسات التعليم العالي وأقسامها العلمية لتقرير وتبني النماذج الملائمة لطبيعة مكونات بيئاتها التعليمية ومتطلباتها، وفي الحالتين يجب ربط الاختبارات وآلياتها بالضمانات الصحية والقانونية الكافية. 

كل ذلك وغيره من الأفكار التي تناقش إمكانية الاستمرار الآمن للعملية التعليمية قد يفسر تأخر وتروي إعلان الوزارة رؤيتها حسب مبدأ «في التأني السلامة»، وفي المقابل، كل الأفكار التي تدعو الى الهروب من المسؤولية مثل فكرة إنهاء العام الدراسي أو إطالة أمد تعليق الدراسة حتى انحسار الوباء، هو عمل تفسره حقيقة واحدة وهي «فاقد الشيء لا يعطيه».

تعليقات

اكتب تعليقك