عبدالله غازي المضف : لن تستمر الكويت في هذا النظام الانتخابي "الأعرج "
محليات وبرلماندعا إلى استبداله بنظام القوائم النسبية ليتسنى التصويت لبرامج العمل وليس للأشخاص "
الآن مارس 8, 2020, 10:19 ص 530 مشاهدات 0
نشرت الزميلة القبس مقالاً مهماً لنائب تحرير القبس الزميل عبدالله غازي المضف .
و تعيد نشر المقال نظراً لما تضمنه من آراء مهمة تحاكي الأوضاع الحالية التي تواجهها الكويت ، وخصوصاً ما يتعلق بما طرح من مشروع لتنقيح الدستور ، وتغيير النظام الانتخابي الحالي .
لن تستمر الكويت في هذا النظام الانتخابي "الأعرج "
عبدالله غازي المضف
لقد مرّت الكويت بأزمات سياسية كثيرة ومؤلمة لتصل الى الحياة الديموقراطية التي ننعم بها اليوم؛
فالتاريخ يذكر جيداً سنة المجلس، وتزوير الانتخابات، وتعليق الدستور، ومحاولة تنقيحه، ثم تعليقه مرة أخرى.. مروراً بـ «نبيها خمس»، وصولاً الى مرسوم الصوت الواحد؛ الذي أفرز وجوهاً جديدة، جعلت المواطنين يجاهرون بمصطلحات صادمة وغير مألوفة: «لقد كفرنا بالديموقراطية»!
وعلى الرغم من التاريخ غير المطمئن للسلطة في تعاملها مع سير العملية الديموقراطية في الكويت، فإننا ضد نظرية المؤامرة التي تصوِّب سبابة اتهامها الى السلطة على انها تقود أسلوباً ممنهجاً يدفع بالمواطنين الى أن يكفروا بالديموقراطية؛ فالسلطة بحاجة دائمة الى «الديموقراطية» لاحتواء الكثير من الأزمات والفتن والصراعات، فاختيار الحكم جاء في مناسبات كثيرة عبر الديموقراطية وممثلي الشعب، كما مكّنتها الديموقراطية من إنهاء تحالفات سياسية غيّرت مكامن القوى في اللعبة، آخرها مرسوم الصوت الواحد الذي جاء لغاية سياسية واضحة، بعد أن استبدت ما تسمى «الأغلبية النيابية»، ومزّقت الشارع الكويتي إلى أشلاء، ثم حلّت الطامة الكبرى في تلاوتها بيان «كفى عبثاً»، الذي عبث بكل ما هو جميل في الكويت وشعبها الطيب.. فجاء مرسوم الصوت الواحد لتفتيت هذه الأغلبية وإرجاع الأمور الى نصابها، مستغلا حالة من الفوضى السياسية والترقّب والقلق والهلع التي سادت البلد.
وقد استطاع مرسوم الصوت الواحد ـــ بامتياز ـــ تحقيق أهدافه؛ ما يثبت نظرية أن السلطة لا يمكنها الاستغناء عن الديموقراطية، وإن جاءت مفصّلة على أهوائها.. والى هنا، يجب أن نتوقّف؛ ففي زمن الرخاء تصبح كل أوراق السياسة مباحة، لكن عندما يكون الخطر محدقاً على خزينة الدولة فنحن أمام أزمة خطيرة لم نألفها منذ اكتشاف ثروة النفط وتصديره في الخمسينيات، وهذا الخطر إن لم يتم احتواؤه بشكل مدروس طويل المدى فإنه سيمسّ جيب المواطن حتما في سنوات مقبلة، وعندها ستسقط جميع أوراق الحكومة والسلطة.
نعم.. فغول «عجز الموازنة الاقتصادية» سيفتك بالبلد أيما فتك، إذا لم نصحح آلية تشريع قراراتنا، وتطوير نظام عملنا الانتخابي القائم على النظام الفردي «الأعرج» إلى نظام عمل جماعي يقع في المنطقة الوسطى ما بين العملَين الفردي والحزبي.. إننا نشير هنا الى نظام القوائم النسبية.
اننا نخاطب اليوم عقل المواطن والشارع، الذي يملك وقود التغيير والإصلاح، ولا نشير أبداً الى اللجان الثلاث التي شكّلها الديوان الأميري؛ بل نتحفّظ عليها.. مع كامل احترامنا وتقديرنا لتاريخ أعضائها ومساعيهم.
فلو تأملنا قليلاً في ما يحدث بالساحات السياسية في الغرب، لوجدنا حالة فريدة من العصف الذهني والفكري، لم تكن مألوفة في العقود الماضية؛ حيث ترتكز حالة العصف على اعادة تفسير معنى «الديموقراطية» في مضمونها الجوهري، وعصرنته، بما يتناسب مع تحديات القرن الجديد. وقد طرق بعض المفكرين الأوروبيين أبواباً سياسية مُحرَّمة، بقيت مُوصدة لقرون طويلة.. ولعل أبرز «العناوين الصارخة» التي طغت على الساحة الأوروبية، هو الكتاب الذي أصدره الكاتب البلجيكي ديفيد فان ريبروك، عندما أشعل شرارة فكرية في كتابه الشهير تحت عنوان: «ضد الانتخابات.. دفاعاً عن الديموقراطية»!! يأتي هذا النداء البلجيكي بعد ٤ قرون من شعارات، أطلقها الفيلسوف الانكليزي الأصل جون لوك في بداية القرن السابع عشر، الذي أدخل على الانسان الحديث مفاهيم جديدة ــــ وقتذاك ــــ وقد كانت شديدة العمق والأثر، ما زلنا نقف عندها الى هذا اليوم ونقاتل لانتزاع ما تبقى منها:
١ - الديموقراطية.
٢ - العدالة.
٣ - حقوق الإنسان.
تلك المصطلحات لم تكن مألوفة في ذلك العهد، في ظل سطوة الكنيسة الكاثوليكية واستبدادها، وبعد أن راح كثير من العلماء والفلاسفة العظماء ضحية ذلك الاستبداد، استطاع جون لوك تعريف العالم بتلك المصطلحات الثلاثة الجديدة على مسامع البشر، التي استطاعت رسم الخريطة الذهنية في عقل الإنسان سياسيا واجتماعيا، وأعادت ترتيب مفاهيم جديدة في الوعي البشري والإدراكي بين الحاكم والمحكوم.. ونظّمت عقل المواطن تجاه علاقته مع السلطة، وأصبحت تلك الحقوق مكوّناً رئيساً في دورة حياة الإنسان الحديث.
الآن، بعد كل تلك القرون، التي مرت بتجارب سياسية متعددة من نظام قوائم، وأحزاب، وتكتلات أقليات وغيرها، شهدت أوروبا نهضة اقتصادية وإنسانية وعمرانية لم تشهد لها مثيلاً، بعد أن ثبَّتت أقدامها على ما يسمى «الديموقراطية»، التي فسّرها جون لوك، فمن يرَ تلك القفزات الاقتصادية التي حققتها ألمانيا، بريطانيا، وفرنسا، وغيرها من دول أوروبا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، يتساءل الآن: ماذا بعد الديموقراطية؟ فديموقراطية القرن الحادي والعشرين جاءت لنا بنظام «البريكست» الذي سيكلّف بريطانيا خسائر مالية فادحة، كما ان الانفاق المالي العبثي الذي أقره البرلمان في «أثينا» ببداية أزمتهم الاقتصادية أدى الى انهيار مصرفي عظيم وافلاس اليونان عام ٢٠١٥.. تماما كما حدث في الأرجنتين عامي ٢٠٠١ و٢٠١٤.
وقد جاءت الديموقراطية مؤخراً برئيس مُثير للجدل وبراغماتي؛ اسمه ترامب، كما جاءت الى فرنسا بثورة السترات الصفراء، وغيرها.. هذه الوقفة الأوروبية التي حتّمت اعادة النظر في التجربة الديموقراطية لا تعني أبداً العودة الى عهود القمع، والابادة، والاستبداد، وغيرها من ممارسات القرون الوسطى التي استطاع الغرب أن يسحقها، إنما تطوير مفهوم الديموقراطية وعصرنته، بما يحقق ضمانة أكبر للبشرية وحقوق الإنسان، ويحفظ العدالة المزعومة للأقليات المظلومة، والأهم ان تلبّي رغباتهم وطموحاتهم أمام تحديات اقتصادية وسياسية مرعبة في القرن الجديد. الآن؛ ونحن أمام قارة عملاقة تناقش أساليب تطوير مفهوم الديموقراطية، لا نزال في الكويت نتناكف على جدوى الصوت الواحد، مقارنة بالصوتين والأصوات الأربعة، كما أن مجاميع أخرى لا تزال ترفع شعارات «لا لتعديل الدستور» الذي صدر عام ١٩٦٢، خوفاً من العبث به؛ حتى انتهى بنا الحال إلى أن يتحوّل نائب الأمة اليوم إلى «مخلّص معاملات»، وبوصف آخر «مندوب معاملات»، وان كان هذا الوصف يثير حفيظة الكثيرين، لكنه أصبح واقعاً نعيشه، ونمارسه، ونراه بأم أعيننا كل يوم.
لقد حان الأوان لتحرُّك شعبي جاد نحو تغيير النظام الديموقراطي الفردي «الأعرج» الى نظام القوائم النسبية؛ فقد شلّ الأسى رئتي أجهزة الدولة، وأصبحت عملية التطوير والتشريع والاصلاح مستحيلة تماما، وإن فرضنا جدلاً أننا نملك أعتى الرجال الوطنيين في العالم، فلن يقووا على إجراء الإصلاح المأمول، في ظل اختلاف الرؤى بين النواب الأفراد.. أما في حال اعتماد نظام القوائم النسبية، المعمول به في معظم الدول الديموقراطية في العالم، فسيتسنى للناخبين التصويت على برامج عمل وليس على أشخاص، وعلى رؤى مستقبلية، وليس استجابة لــ«تشاوريات» و«فرعيات» قبلية أو عائلية، كما سيعطي هذا النظام فرصا كبيرة لنواب تكنوقراط واختصاصيين لم ينالوا نصيبهم السياسي؛ كالاطباء، والمهندسين، والمثقفين وغيرهم. شرارة هذا التغيير يجب أن تبدأ أسرع من أي وقت مضى، قبل أن يدهمنا سيف العجز الاقتصادي الحقيقي الذي لا يرحم؛ إذ نؤكد أن شرط هذا التغيير لا يأتي إلا بإرادة شعبية، عبر حوار وطني شامل، وأطر دستورية، بعيدة عن أيّ خطوات تُثير ريبة المواطنين، أو لجان مختارة لا تعبّر عن إرادة الأمة.
تعليقات