زايد الزيد: مظاهر الثراء السريع التي ظهرت على محيا الفاشينستات ومن كثير ممن يسمون أنفسهم مشاهير التواصل الاجتماعي لهي دليل قاطع على وجود عمليات مشبوهة أدت لكل هذا الثراء المجنون والمبالغ فيه
زاوية الكتابكتب زايد الزيد فبراير 10, 2020, 10:20 م 658 مشاهدات 0
تعتبر الديوانيات في الكويت، كما تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقياساً شعبياً لما يدور في كواليس المجتمع الكويتي، حيث يمكن لصناع القرار السياسي أن يعرفوا المزاج العام سياسياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً، كما يمكن للصحافيين والمهتمين بالسياسة أن يقيسوا كل هذه العوامل أيضاً من خلال الدواوين ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبما أننا في الصحافة، وبما أن دورنا هو قياس ردات الفعل ونقلها إلى الملأ والحديث باسم الناس، فإننا نود القول بأنه لا صوت يعلو اليوم في البلاد فوق صوت الحديث عن عمليات "غسيل الأموال" التي تورط بها جمع كبير من مشاهير التواصل الاجتماعي وجمع آخر من رجال الأعمال، وصارت الكويت بحسب التعبير الشعبي الدارج اليوم "غسالة كبيرة" تغسل فيها أموال تجار المخدرات والأسلحة والعمولات الحكومية والرشاوي وغيرها من مصادر الدخل المشبوهة.
حديث الدواوين هذا ليس حديث دواوين بالمعنى الشعبي الدارج، أي أنه ليس كلاماً غير مدعم بالأدلة، بل هو واقع حقيقي أثبتته التقارير الصادرة من الحكومة بين الفينة والأخرى ، من وحدة التحريات المالية ومن الوحدات الأخرى التي أنشئت خصيصاً لمراقبة هذا التدفق المهول للعمليات المالية في الكويت، حيث بلغت الأموال المغسولة للعام الماضي فقط ٨٠٠ مليون دينار كويتي، نعم، هذا الرقم بالتمام والكمال، فضلاً عن الأموال التي أخفاها المجرمون جيداً ولم تتمكن الأجهزة الحكومية من الوصول إليها حتى الآن وهي بحسب (علم الجريمة) أضعاف الرقم المكتشف حالياً.
إن مظاهر الثراء السريع التي ظهرت على محيا الفاشينستات ومن كثير ممن يسمون أنفسهم مشاهير التواصل الاجتماعي لهي دليل قاطع على وجود عمليات مشبوهة أدت لكل هذا الثراء المجنون والمبالغ فيه، حيث صار الفاشينستات يملكون طيارات خاصة لا يملكها وارن بافيت، واسطول سيارات لا يملكه بيل غيتس، ويحجزون فنادق في لندن ينصدم بوريس جونسون – رئيس الوزراء البريطاني – منها ولا يقوم شيوخ الخليج الذين يجلسون على آبار النفط بحجزها، فهل جاءت هذه الثروة من السماء؟ أم هل وجد حديثو الثراء هؤلاء مناجم ذهب تحت بيوتهم، أو حقول نفط في أملاكهم؟ أم هل اخترع أحد منهم اختراعاً جنى منه مئات الملايين؟ كلا ، إن هناك إجماعاً شبه كامل من الخبراء الاقتصاديين بأن هذه الثروة إنما هي نتاج مال مشبوه ، وأن "الكاش" في الكويت بات كبيراً لدرجة اضطر معه بعض رجال الأعمال إلى صناعة نجوم وضخهم بالأموال لغسلها وتطهير مصدرها المشبوه ، الذي غالباً ما يكون سموماً تدخل إلى جسد أبنائنا ، وعمولاتٍ تدمر أموالنا العامة ، ورشاوى تستهدف تدمير البنية التحتية لبلادنا.
إن غسلة الأموال هؤلاء، باتوا اليوم يشبهون قادة كارتيلات المخدرات، غير أن ضرر الثانين معروف وخطرهم واضح وجلي ، وهم محاربون من قبل كل البشرية تقريباً وتطاردهم الأجهزة الأمنية حول العالم، أما الأولون فإنهم يسارعون في إغراق شبابنا في بحر الاستهلاك والتفاهة ويغسلون أموال المجرمين والمفسدين بلا خجل ولا حياء ولاخوف من مساءلة ، بل إن المصيبة الأكبر أن بعض الأبواب المغلقة تُفتح لهم، ويتحولون إلي نجوم مجتمع وناشطين سياسيين رغم ثرواتهم المشبوهة وأعمالهم التي لا يعرف أحد عنها شيئاً.
إن كل أمة من الأمم كانت قد مرت بلوثة مثل هذه اللوثات من قبل، لكن الفرق أن إداراتها السياسية ضربت بقوة وبيد من حديد تجاه هذه الظاهرة، فمن منا ينسى قيام إدارة "ريغان" في الولايات المتحدة الأمريكية منتصف الثمانينيات لما استشرى داء المخدرات في الأمة الأمريكية بتوجيه ضرباتها إلى تجار المخدرات ونجوم المجتمع الذين يروجون لها، وأعلنها الرئيس ومن قلب البيت الأبيض حرباً لا هوادة فيها على الذين يطمعون إلى تفتيت زهرة الشباب في الروح الأمريكية – بحسب تعبيرهم – عبر هذه السموم.
إن وطننا اليوم بحاجة ماسة إلى حرب ضد غسلة الأموال هؤلاء فهم يدمرون قيمة العمل لدى شبابنا، ويحثونهم على سلوك مسلك المال الحرام، والأهم من كل هذا أنهم اليوم حولوا الكويت إلى عاصمة خليجية جديدة لغسيل الأموال وهو أمر له أضراره الاقتصادية والسياسية على المدى البعيد.
وإذا استمر الحال على ما هو عليه من تساهل مع هؤلاء، فلن يكتفي بعض المشبوهين في الكويت بغسيل أموالهم عبر "نجوم المجتمع" هؤلاء، بل سيأتي كل مجرمو الأرض إلى الكويت لغسيل أموالهم في ظل تلاعب هؤلاء بالقوانين وتحصنهم بالحصانة المجتمعية والاختباء خلف رداء الشهرة.
فهل من مجيب؟
تعليقات