‫داهم القحطاني: مسائل الجنسية في العالم كله تقوم على استقرار المراكز القانونية ومعظم الدساتير العالمية تغلّ يد الحكومات عن العبث بها كي لا تستغل كسلاح سياسي لإيذاء الخصوم والمعارضين‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 460 مشاهدات 0


‫في تعليقه على الخطاب الأميري، أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أنه سيقدم في اليوم التالي (الأربعاء الماضي) مقترح قانون لإنشاء هيئة للحفاظ على الهوية، تكون مهمتها الرئيسية إعادة فتح ملفات التجنيس، والتأكد أن الجنسية الكويتية أصدرت حسب القانون، وكذلك من مهام الهيئة المقترحة النظر في طلبات التجنيس. ‬

‫هذا مقترح غير عملي، فمسائل الجنسية في العالم كله تقوم على استقرار المراكز القانونية، ومعظم الدساتير العالمية تغلّ يد الحكومات عن العبث بها كي لا تستغل كسلاح سياسي لإيذاء الخصوم والمعارضين. ‬

‫كما أن الهيئة المقترحة من الجانب العملي لا يمكنها التحقق من قرارات لجان تحقيق الجنسية الأربع، التي أنشئت في مارس 1961، لأن قرارات هذه اللجان لم تكن تتضمن في حالات كثيرة جدا وثائق وأوراقاً، إنما كانت تتم بشكل شفهي، كما سنبين في هذه المقالة. ‬

‫كما أن هذه اللجان كانت تعتمد بشكل كبير على ما يعرف بالشهود أو التعريف الشفهي من شخصيات معروفة، لهذا لا يمكن للهيئة المقترحة التحقق من أي بيانات واضحة، فهل ستصدر مثلاً قرارات بسحب الجنسية لمن ليس لديهم أوراق ووثائق وتم تجنيسهم فقط بالشهادات الشفهية؟! ‬

‫وحتى نقرّب الصورة سنعرض الآلية التي اتبعتها هذه اللجان للتحقيق في طلبات الحصول على الجنسية وفق مرسوم تشكيل هذه اللجان. ‬

‫الكويتي كان يحصل على شهادة الجنسية عبر التقدم الى اللجان الأربعة لتحقيق الجنسية، والتي كانت كل لجنة فيها تضم 5 من رجالات الكويت من أصحاب الخبرة والمعرفة بالقبائل والعوائل وبالأنساب. ‬

‫المبدأ الذي كانت تثبت على أساسه الجنسية الكويتية تنظمه المادة 17 من مرسوم لجان تحقيق الجنسية، والتي تنص على «تثبت الجنسية الكويتية بالشهرة العامة، ويجوز في ذلك سماع الشهادة»، وهذا يعني أن ملفات الجنسية لعدد كبير من الكويتيين لم تكن تتضمن أي وثائق أو إثباتات، فليس هناك سوى طلب الحصول على الجنسية الكويتية وموافقة اللجنة نظرا الى الشهرة العامة للشخص. ‬

‫بعد ذلك يمكن الطلب من المتقدم لإثبات الجنسية تقديم شهود موثوقين لدى اللجنة، كما أن وجود وثيقة ملكية للمنزل كان يكفي لإثبات الجنسية، كما تنظم ذلك المادة 15 من المرسوم نفسه، فهل ستشكك الهيئة المقترحة في شهادات شفهية لم تدون، إنما تم الاستماع لها شفهياً؟ وهل ستشكك الهيئة بمعلومات عن وثائق ملكية تم تدوينها بطرق بدائية؟ بعد انتهاء هذه اللجان من بحث الحالة لم تكن الجناسي تصدر بشكل فوري، بل يتم رفع الطلب مع رأي اللجنة إلى لجنة عليا، كان يرأسها الشيخ سعد العبدالله السالم، وتضم في عضويتها كلاً من «نصف يوسف النصف، يوسف الفليج، عبدالحميد الصانع، حمد المشاري، محمد يوسف النصف، وحمد صالح الحميضي». ‬

‫اللجنة العليا تبحث الطلب مجدداً ثم تصدر القرار، وفي حالات عدة قامت اللجنة العليا برفض موافقات للجان التحقيق الأربع، وفي حالات أخرى أصدرت قرارات بالموافقة على إثبات الجنسية رغم رفض اللجان، لهذا لا يمكن القول ان ثمة قرارات عشوائية صدرت من هذه اللجان. ‬

‫إذا عملية إثبات الجنسية الكويتية في مطلع الستينيات لم تكن تتم بشكل عشوائي أو متساهل، بل كان هناك تشدد، وتم رفض طلبات كثيرة. كما أن طريقة إثبات الجنسية لم تتم كما هي الآن عبر الحاسب الآلي والوثائق المتعددة، إنما كانت تتم بشكل شفهي، لأن المسألة تتعلق قبل كل شيء بمعرفة الأشخاص وأصولهم والمدى الزمني لتواجدهم في الكويت. ‬

‫لهذا كله لا يمكن لأي هيئة أو لجنة أن تعقب أو تبحث في مدى صحة قرارات لجان تحقيق الجنسية واللجنة العليا بعد 60 عاماً من إصدار هذه القرارات، نظراً الى استحالة معرفة الأسلوب والنهج الذي تم اتباعه في ذلك الوقت ومحاكاته مجدداً.   ‬

‫أما الهدف النبيل الذي يسعى إليه رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في كشف مزوري الجنسية الكويتية، فهذا الهدف يمكن أن يتم وبسهولة عبر الجهات المختصة في وزارة الداخلية، فهي جهات لديها الخبرة، وتتمتع بخبرة كبيرة في مجال متابعة الوثائق والثبوتيات طوال سنوات، وتستطيع معرفة أي تزوير تمت إضافته لاحقا، وهو تزوير لا يتعلق بالملف الأصلي للجنسية، بل يتعلق بإصدار شهادة الجنسية كوثيقة، وبالتواطؤ مع بعض الموظفين، كما هي الحالة التي عرضها الغانم في الجلسة. ‬

‫في العام الماضي قامت وزارة الداخلية بإجراء مقابلات شخصية مع أغلبية المواطنين الكويتيين كشرط لإصدار جواز السفر الجديد، وبهذا تم تحييد الحالات الوهمية التي تحدث عن بعضها الرئيس الغانم في الجلسة، ويمكن اللجوء مستقبلا الى هذا الأسلوب لأي حالة يتم الاشتباه فيها.‬

تعليقات

اكتب تعليقك