داهم القحطاني: رحم الله الشيخ سعود الناصر، وغفر الله له، فقد كان محبا حقيقيا لوطنه، وتميز طوال فترة عمله الدبلوماسي والسياسي بالشخصية القوية الواضحة، التي لا تضعف ولا تهادن ولا تتلون
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني يناير 21, 2020, 10:46 م 668 مشاهدات 0
قبل 8 سنوات انتقل إلى رحمة الله تعالى أحد أهم الدبلوماسيين العرب في الوطن العربي خلال العقود الأخيرة، وهو الشيخ سعود الناصر الصباح.
وأقول أحد أهم الدبلوماسيين العرب لأنه، خلال عمله الدبلوماسي كسفير للكويت في الولايات المتحدة، قاد حربا دبلوماسية في العاصمة واشنطن، حيث يُصنع القرار الأميركي في البيت الأبيض والكونغرس. وفي نيويورك حيث يصنع القرار الأممي في الأمم المتحدة.
والله يعلم وحده حجم الجهد الذي بذله الشيخ سعود كدبلوماسي لإنقاذ بلده من الضياع والنسيان، خصوصا أنه كان قلقا على أسرته وأقربائه الموجودين في الكويت. بوفواز كما كان يحب أن نناديه عرفته في مناسبات عدة، كان أولها قصة طريفة جمعتنا خلال تغطية صحافية قمت بها لجريدة الراي عن حفل أقامته جمعية هدية التعاونية، برئاسة عضو مجلس الأمة الحالي طلال الجلال، لتكريم الطلاب المتفوقين تحت رعاية الشيخ سعود، وحضرها نواب ينتمون للتيار الإسلامي، حيث تم تكريم النائبين الإسلاميين على أنغام الموسيقى، فكتبت عن ذلك برصد المتغيرات التي جعلت نوابا إسلاميين يشاركون الشيخ سعود في الفعاليات، بعد أن قام إسلاميون قبل ذلك في مجلس الأمة بمطاردته سياسيا، والقيام باستجواب أجبره على تغيير منصبه الوزاري.
اتصل علي آنذاك، وذكر لي أن هؤلاء النواب انزعجوا مما كتبته، واتهموني بأنني أقوم بذلك لمصلحة نواب آخرين، فشرحت له بأنني صحافي مستقل وأكتب ما أرى من وقائع، ومنها تغير موقف الإسلاميين من الشيخ سعود من المطاردة السياسية للمشاركة في مرحلة معينة.
حينها عرض علي أن أعمل معه ضمن طاقمه في المجلس الأعلى للتخطيط، حيث كان عضوا فيه آنذاك، فاعتذرت منه وشكرته.
القصة الثانية، التي جمعتني بالشيخ سعود، كانت خلال زيارة إعلامية لي لجامعة ولاية أتلانتا، حيث ذكرت لي بروفيسورة أميركية أنها ستطرح، خلال ندوة مقررة سلفا لنا كوفد عربي، ما اسمته أكبر كذبة في تاريخ العلاقات العامة، وهي ما ادَّعته الكويت عن قيام الجيش العراقي، خلال غزوه للكويت، برمي الأطفال الخدج للاستيلاء على حاضنات الأطفال في مستشفى العدان ونقلها للعراق.
وهذا الادِّعاء الكويتي الحقيقي كان بالمناسبة من أهم أسباب موافقة الكونغرس الأميركي وبفارق بسيط على قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بشن الحرب ضد الجيش العراقي لتحرير الكويت.
حينها قمت بالاتصال بالشيخ سعود عبر هاتف منزله، ورغم فارق التوقيت قام بالرد فورا، وحين أبلغته بالموضوع زودني بتفاصيل قصة قتل الجيش العراقي للأطفال الخدج، وزودني عبر الفاكس بالتقرير، الذي انتهت له شركة كرول للتحقيقات، حيث قام وفد منها بزيارة مستشفى العدان بعد تحرير الكويت، وقابلت الطاقم الطبي، ووصلت إلى أن القصة كانت بالفعل حقيقية.
في الندوة المقررة وحين انتهت الأكاديمية الأميركية من اتهامها للكويت باختلاق هذه الكذبة، سألتها: «هل تثقين بشركة كرول للتحقيقات؟ فأجابت بالتأكيد أثق بها»، حينها طلبت أن تقرأ وعلى مسمع من مئات الطلبة الذين حضروا الندوة نتائج تقرير شركة كرول عن الموضوع، والتي تؤكد صحة رواية الكويت.
حينها قالت البروفيسورة إن هذا التقرير أنهى بالفعل هذه الكذبة، وأثبت أن الكويت كانت بالفعل صادقة في ادِّعائها.
رحم الله الشيخ سعود الناصر، وغفر الله له، فقد كان محبا حقيقيا لوطنه، وتميز طوال فترة عمله الدبلوماسي والسياسي بالشخصية القوية الواضحة، التي لا تضعف ولا تهادن ولا تتلون.
تعليقات