#رأينا_الآن ... وداعاً يامؤسس عمان الحديثة .... وداعاً ياقابوس

محليات وبرلمان

الآن 902 مشاهدات 0


افتتاحية
سكت القلب الكبير، ورحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد البوسعيدي المعظم، سلطان سلطنة عمان وباني نهضتها، وصانع الدولة الحديثة، ورمزها الخالد الذي سيدخل التاريخ بسبب معجزة "النهضة" التي قام بها وسبيل السلام الذي رسّخه بين شعبه، وسياسة التوافق والحياد التي اتبعها في التعامل مع أزمات المنطقة ومشاكلها.

إن قصة "النهضة" في عمان تبدأ مع قابوس، بل إن قصة الدولة الحقيقية في عمان، بمؤسساتها، وجيشها، ومواردها المالية، وبنيتها الاجتماعية تبدأ مع قابوس.

ولا يمكن فهم قصة النهضة والدولة في عمان، بدون فهم الصرخة الأولى التي أطلقها الطفل الأسمر النحيل في ولاية ظفار، عام ١٩٤٠ لسعيد بن تيمور حاكم عمان آنذاك، وبدأ بعدها الطفل الصغير ينمو ويشب ليدرس في مدارس ظفار قبل أن يُرسل لمدرسة داخلية في بريطانيا، والتي تخرج منها رأساً ليذهب إلى أكاديمية تصنع النجوم من قادة الدول والجيوش، إنها أكاديمية سانت هيست العسكرية، حيث تخرج الشاب العماني بكفاءة واقتدار برتبة ملازم، ليعود إلى أرض الوطن حاملاً آماله وطموحاته في الإصلاح وبناء عمان الجديدة.

وحدثت الحوادث في عمان، ورأى قابوس بأم عينيه تأثير الفقر والجهل والجوع والعزلة التي كانت تعيشها عمان على شعبها، ورأى الأحداث المؤسفة التي اشتعلت في ظفار عام ١٩٦٥، ثم رأى تكالب التنظيمات العالمية على أمن عمان كما "تتكالب الأكلة على قصعتها" ، فاتخذ قابوس القرار بحزم، لقد اتخذ قرار التدخل الجراحي، وقرر تولي حكم السلطنة .

ومثلت الرحلة التي أقلت السلطان قابوس، وحطت به على أرض الوطن، فصلاً جديداً في تاريخ عمان وساحل عمان والخليج العربي بأكمله، إذ شرع القائد فور وصوله ببناء الدولة، التي كانت تشبه كل شيء إلا كونها دولة، فالفقر في كل مكان، والطرق معدومة والبنية التحتية لا وجود لها، والنفط الذي جرى اكتشافه للتو لا أحد يعلم أين تذهب عوائده، وبدأ قابوس بالسعي لإنهاء الحرب الأهلية التي تعيشها البلاد، ونجح في ذلك بعد أن قرّب وجهات النظر، وهدّأ النفوس الغاضبة، وأحسن إلى الرعية واستمالها، وقطع يد التدخلات الخارجية، والمغامرات "الفهلوية" التي كانت تنفذها بعض التيارات التي اندثر أغلبها عن المنطقة.

ثم بدأت النهضة، نعم ثم بدأت النهضة التي يسميها العمانيون بـ"النهضة المباركة" ، وبنيت المدارس والمستشفيات والمصانع واستخرج النفط، ثم كُرر، ثم استثمرت أمواله في البنية التحتية، وشُقت الطرق رغم وعورة الجبال والأودية، ورغم التضاريس الصعبة، وُوحدت البلاد حتى صارت مضرب المثل في التعايش بين كافة المذاهب، وارتفع دخل المواطنين، وزادت حصتهم من الناتج القومي، وشقت معدلات التنمية طريقها إلى السماء.

وباتت عمان، التي كانت فقيرة ومعزولة، تتكالب عليها القوى، ويطمع بها الطامعون، وتهددها القوى الإقليمية بسبب موقعها الجغرافي الحساس، ووقوعها على مضيق هرمز، باتت قوة لا يُستهان بها، ودُرِّب الجيش العماني الذي كان جيشاً تنقصه الإمكانيات، تدريباً عسكرياً قوياً، وبات مضرب المثل في الانضباط والقوة والكفاءة، وبات الجهاز الإداري العماني جهازاً محترماً ومنضبطاً، وأرسيت قواعد الدولة ومؤسساتها، وتحولت البلد التي كانت أوصالها مقطعة بسبب الجغرافيا الوعرة إلى وحدة سياسية واحدة تحت راية السلطان قابوس.

أما على الصعيد الخارجي، فإن انتصارات قابوس، والتي هي انتصارات لعمان بالطبع، لا تقل أبداً عن الانتصارات الداخلية، فانضمت البلاد إلى الجامعة العربية على يده، ثم ساهم السلطان قابوس بتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام ١٩٨١ مع الرعيل الأول، رعيل الحكمة والوحدة من حكام دول الخليج العربية ، وراجت في مدارس العلوم السياسية حول العالم أطروحات عن سياسة الحياد، حتى أصبح المثل يقول "محايد مثل عمان"  وحاز قابوس على احترام الجميع، بسبب وقوفه موقفاً واحداً من كل القضايا، وهو الموقف الذي يسعى لحل النزاع بدلاً من تكبيره، وسيادة الود بدلاً من الضغينة والحب بدلاً من الكراهية.

ويمكن لأعمال قابوس في الدبلوماسية أن تتحدث عنه، بدءًا من استضافة عمان للمفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء بمحاولة تقريب وجهات النظر في الحرب في اليمن.

إننا لا نملك في "الآن" إلا أن نعزي أنفسنا وشعبنا في عمان بوفاة رمز دولته وقائد نهضته، ونتمنى من الله العلي القدير أن يحفظ سلطانها الجديد، الذي حاز على ثقة قابوس، السلطان هيثم بن طارق، ويرزقه طريق البر والرشاد.

وداعاً يا مؤسس عمان الحديثة

وداعاً يا صانع نهضتها

وداعاً يا حكيم المنطقة

وداعاً قابوس

تعليقات

اكتب تعليقك