زايد الزيد: إختيار السلطان الجديد في أقل من 12 ساعة تقديراً للسلطان قابوس وتجنباً للاختلاف دليل كبير على حكمة الأسرة الحاكمة
زاوية الكتابكتب زايد الزيد يناير 11, 2020, 11:02 م 857 مشاهدات 0
فُجع الشعب العماني والشعوب الخليجية والعربية برحيل السلطان قابوس بن سعيد، سلطان سلطنة عمان وباني دولتها الحديث وقائد نهضتها ، بعد صراع مع المرض ، لتفقد عمان رمزها الخالد، وتفقد المنطقة صمام أمانها وحكمتها الدبلوماسية ورزانتها، ويفقد العالم قائداً حكم بلاده طوال ٥٠ عام باستقرار وهدوء في وقت كانت تنفجر فيه الأزمات واحدة تلو الأخرى في العالم والمنطقة.
وبدأت قصة السلطان قابوس في يوم " النهضة المباركة " في سلطنة عمان، حينما قرر السلطان الشاب أن يستلم مقاليد الحكم ويشرع في تأسيس النهضة العمانية ، ليحولها من دولة متواضعة ومقطّعة الأوصال، بدون مدارس أو مستشفيات أو طرق وبنى تحتية، إلى أحد أكثر دول العالم تنمية وأحد أكثر دولة المنطقة استقراراً ، منهياً حرباً أهلية طاحنة كادت تعصف بالبلاد والمنطقة، أنهاها بالاتفاق والوئام والاحتواء والإصلاح، وتقريب الشعب وتوحيده، على عكس ما تنتهي هذه الحروب عادة من انقسام وتفرقة.
لقد تحولت عمان، على يد قابوس، إلى قصة نجاح عالمية، تشيد بها الصحف الغربية قبل العربية، ويؤكد الخبراء والساسة والدبلوماسيون، والأصدقاء والأعداء ـ وإن كانت عمان حقيقةً لا تملك أعداءً بفعل سياسات قابوس الحكيمة – يشهدون لها بأنها كانت سفينة استقرار وأمن وأمان في بحر متلاطم من النزاعات منذ عام ١٩٧٠ (وهو العام الذي تولى فيه قابوس الحكم) إلى يوم أسلمت روحه إلى بارئها.
ولا يمكن للأجيال الجديدة من شعوب المنطقة، والتي خرجت لهذه الدنيا لا تعرف إلا عمان الجديدة، بتنميتها وسياحتها وصناعتها وجودة الحياة فيها، أن تعرف مقدار ما بناه قابوس إلا بعد أن تطلع على التاريخ لتشاهد عمان القديمة، والتي لو سافر أحد من سكانها عبر الزمن ليصل إلى اليوم لدُهش واستغرب مما رأي، ولظن أنه في حلم لا يمكن تحققه على أرض الواقع.
لقد قرأت كلمات من قبل مواطنين عمانيين وصفت ما لا يمكن لنا وصفه، حيث قال أحد العمانيين راثياً الفقيد : "ما هي النهضة إذا لم تتلخص برجل استلم بلداً لم يكن فيها سوى ٣ مدارس وتركها وبها أكثر من ١٧٠٠ مدرسة ؟ واستلمها معتمدة على الطب الشعبي، وتركها وهي الثامنة عالمياً في الرعاية الصحية ؟ واستلمها وشعبها يسكن الجبال والأودية وتركها و٨٩٪ من شعبها يسكن بيوتاً يمتلكها امتلاكاً تاماً ؟ ".
لقد كان قابوس رائد "التجربة العمانية" التي تضاهي بحجم تحدياتها تجارب دول كبرى كألمانيا واليابان خرجت بعد الحرب مُنهكة ومُهشّمة قياساً ومقارنة بإمكانيات عمان الصناعية والثقافية، وسيستمر السلطان الجديد هيثم بن طارق بإذن الله في المسيرة "القابوسية" الراسخة في وجدان العمانيين ، خاصة بما عُرف عنه من رزانة وحكمة تشبه رزانة وحكمة الراحل قابوس ، ومن المؤكد أن السلطان الراحل اختار الأصلح لقيادة عمان ، ولعل مجلس العائلة الحاكمة حينما آثر أن يلجأ إلى قراءة وصية الراحل بإختيار السلطان الجديد لدليل كبير على حكمة الأسرة الحاكمة التي تنازلت عن حقها في الاختيار ، تقديراً لسلطانها الراحل أولاً ، وتجنباً للاختلاف ثانياً ، وحسمت أمر تنصيب السلطان الجديد في أقل من 12 ساعة .
حفظ الله عمان والعمانيين .
تعليقات