مبارك الجري: الإسلام والسياسة في الكويت (3)

زاوية الكتاب

كتب مبارك الجري 569 مشاهدات 0


فشل التعبئة الأولى - الذي تطرقت إليه بالمقال السابق - لم ينهِ أدوار شبكات الإخوان المسلمين التي ارتكزت عليها التعبئة الثانية في السنوات اللاحقة. وربما الفشل دفع هذه الشبكات إلى البحث عن إنتاج أساليب أخرى لاستمرار تأثيرها في المجال الديني والاجتماعي والسياسي، وهذا ما يمكن ملاحظته بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته دولة الكويت، خصوصاً بعد إصدار الدستور في نوفمبر ١٩٦٢ الذي وفر لهذه الشبكات أهم فرصة لإعادة ترميم الحركة من الداخل وصياغة استراتيجيات تعبوية جديدة. 


تقول الباحثة اللبنانية كارين لحود «في الستينيات، قرر الإخوان المسلمون إنشاء جبهة إسلامية للضغط على التوجهات الجديدة؛ فالجمعيات الدينية أخذت شكل تنظيمات مهيكلة معظمها مسّجلة ومقيدة رسمياً في سجلات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتستفيد من الإعانات العامة المباشرة ومعترف بها باعتبارها وسيطاً بين الموالين من الحركة والسلطة». 


ثانيا- مرحلة التعبئة الثانية (١٩٦٣- ١٩٨٠): الحواضن التي تبلورت فيها معالم الحركات السياسية الإسلامية لم تكن منظمة بحسب رأي الباحثة، بل كانت فوضوية، لأن حركة الإخوان المسلمين في الكويت بعد فشل التعبئة الأولى اتضح لها أنها تواجه مشكلة في تنظيم أنشطتها، فضلاً عن أن عدم تجانس الحقل الديني السني (السلفية التقليدية، الإخوان المسلمون، حزب التحرير... إلخ) لم يُمكن هذه المكونات من بناء حركة فكرية معارضة للإيديولوجيات اليسارية، كما أن اختلاف جنسيات أعضاء الإخوان المسلمين بالكويت أثر بشكل سلبي على قوتها الحركية بسبب انعزال الأعضاء أحياناً وتضارب المصالح في ما بينهم. 


وفي هذا السياق جاءت فكرة تأسيس جمعية الإصلاح عام ١٩٦٣ كتوجه منظم لتعبئة الإخوان المسلمين أو كتصويب لأخطاء جمعية الإرشاد. وبعيداً عن أنشطة هذه الجمعية وتفاصيلها، لفت انتباهي تحولات مهمة شهدتها مكونات هذه التعبئة مقارنة بالأولى. وفي هذا الصدد تذكر الباحثة «منذ السنوات الأولى من وجود هذه الجمعية، كان الانضمام إليها يقتصر على الأفراد المثقفين المنحدرين من الطبقات الوسطى والعليا والحضرية. 


ثم في بداية السبعينيات تم تبني توجهات استراتيجية جديدة: فلقد استثمرت جمعية الإصلاح في المناطق القبلية وتوجهت إلى كل الطبقات في المجتمع الكويتي، وعلى عكس جمعية الإرشاد، لم تمنح جمعية الإصلاح المؤيدين الأجانب نظام العضوية الكاملة». 


هذا التحول في قاعدة الحركة الاجتماعية ساهم في انتشار فكر الإخوان بمناطق الكويت بخلاف استراتيجية جمعية الإرشاد، ويمكن القول: إن هذه التعبئة هي السبب الرئيس في استمرار تأثير فكر الإخوان حتى هذه اللحظة. لقد ارتكزت التعبئة الثانية على الحقل الثقافي كمدخل للتأثير داخل المجتمع المدني، وكانت جمعية الإصلاح وبعض المساجد أهم القنوات التي انطلق منها الإخوان. 


لقد زاد حجم أنشطة الحركة لا سيما الإعلامية والثقافية في بداية السبعينيات عندما تم تأسيس مجلة المجتمع عام ١٩٧٠- كانت تسمى قبل ذلك مجلة الإصلاح (١٩٦٥) - كذراع إعلامية للحركة بجانب التركيز على المحاضرات الدينية، ونشر الكتب المختصة في الفقه والسيرة النبوية والعقيدة، بالإضافة إلى الفكر السياسي الإسلامي، وتنظيم معرض للكتاب الإسلامي سنوياً.   


إن اندماج الحركة في المجتمع الكويتي وانتشارها جغرافياً عبر التطورات السابقة مكناها من الوصول إلى موارد متنوعة وأهمها السياسية. وترى الباحثة أنه «بمجرد أن وُطدت هذه النشاطات بشكل جيد، وأنشأت العديد من المواقع في المناطق الحضرية، استثمرت جمعية الإصلاح في المناطق القبلية اعتباراً من عام ١٩٧٣، متجنبة أخطاء الخمسينيات.... فاستراتيجية التوسع ضمن المناطق المحيطة تولي اهتماماً على الخصوص بالأعضاء الشباب من القبائل الكبيرة، وهكذا افتتحت الإصلاح بين عامي ١٩٧٥ و١٩٨٠ فروعاً لها في منطقة الجهراء والعمرية والفروانية». 


وتدريجياً توسع نفوذ الحركة في نهاية السبعينيات ليصل إلى النقابات (كالقطاع النفطي، واتحاد الطلبة بجامعة الكويت، وجمعية المعلمين) بالإضافة إلى بعض الجمعيات التعاونية التي كانت تحت سيطرة القوميين. 


لقد كانت هيمنة الاخوان المسلمين على الحقل الطلابي في جامعة الكويت (١٩٧٩) بمنزلة أول انتصار سياسي لهم، ففي هذا الوسط ظهرت وتشكلت نخب سياسية – يمثلها الجيل الثاني - في الحركة التي مارست أدواراً مهمة في الحقل السياسي. دفع هذا الصعود عدداً من الشخصيات السلفية لتنظيم حركة اجتماعية مضادة، وهذا ما سأتناوله بالجزء القادم من المقال. 


تعليقات

اكتب تعليقك