محمد المقاطع: الفساد المالي واسترجاع الأموال المنهوبة
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع نوفمبر 19, 2019, 10:33 م 707 مشاهدات 0
مسألتان تشغلان الناس في الكويت وتقلقانهم بشأن طغيان الفساد المالي والمال السياسي ونهب أموال الدولة، وهما: عدم إفلات الفاسدين والسراق من العقاب، واستعادة الأموال المنهوبة، إلا أن سوابق التعامل مع هذا الموضوع محبطة وغير مشجعة، فقد مرّ على البلد العديد من الملفات والسرقات المالية المشهورة، ولم يتم التعرف على ما حصل بشأنها، ولم تُسترد الأموال، ولم تصدر أحكام على مَن نهبها ولم يودع في السجن، وهذا مكمن التخوف والإحباط اللذين يهيمنان على شعور الناس ويفقدانهم الثقة بجدية الحكومة وحتى مجلس الأمة في التصدي لهذه الملفات الخطيرة.
فرغم حديث الناس عن أن وزراء أو أعضاء تقلدوا المنصب وهم محدودو الدخل أو الغنى، وتركوه وهم في ثراء فاحش، مما يعني أن تلك الأموال لم تأتهم من استثمار مشهود لهم أو بطرق مشروعة، بل اكتسبوها بسبب المنصب أو الوظيفة، ومع ذلك بعد تركهم الوظيفة أو المنصب تم إغلاق هذا الملف، واستُخدِمت القاعدة الكويتية المفرّطة "عفا الله عمّا سلف".
كما أن قضية تضخم حسابات أعضاء مجلس الأمة كانت ولا تزال محل استغراب وتعجب من الناس، لأنها بعد أن أحيلت إلى النيابة انتهت التحقيقات إلى عدم وجود جريمة فيما أحيل إليها بشأن تضخم تلك الحسابات، وهو ما نختلف معه تماماً ولا نجد له سنداً صحيحاً من القانون، لأن تلك الأموال إما جاءت عن طريق التربّح من المنصب، أو ثراء غير مشروع، أو غسلٍ للأموال، أو رشوة سياسية أو انتخابية، وجميع هذه الأفعال مجرّمة في القانون، وينبغي ألا يفلت مرتكبها ولا بد من معاقبته جنائياً، فضلاً عن استرداد الأموال التي أثرى بسببها، وهذا هو جوهر فكرة الملاحقة واسترداد الأموال المنهوبة أو أموال التربّح أو أموال الرشوة، بل إن القوانين، كما هو الحال في القانون رقم 1 لسنة 1993 الخاص بحماية الأموال العامة، تفرض عقوبة ردّ مثل المال المنهوب أو المتربّح به على حساب الوظيفة، كما أن رشا المشاريع الكبرى والصغرى في البلد وحالة المال السياسي الذي يُدفع للمرشحين في انتخابات مجلس الأمة أصبحت حالة شائعة لا تخفى على أحد، وعلى الرغم من ذلك لم نسمع أن أحداً تم تقديمه للمحاكمة أو تم استرجاع المال الذي حصل عليه رشوة أو بشكل غير مشروع.
من هنا ندرك أن الناس تشعر بأن مؤسسات وأجهزة الدولة تتعمد التغطية وإخفاء ما يدين مثل هؤلاء والتستر عليهم والتجاوز عن أفعالهم، أو أن المتنفذين وأصحاب القرار في مؤسسات وأجهزة الدولة شركاء مع هؤلاء ولذا يفلت كل منهم بفعلته، وقد ولّدت هذه الحالة نتيجتين خطيرتين؛ أولاهما تزايد جرأة مَن يعتدي على الأموال العامة وتفشي الفساد وطلب الرشوة، وثانيهما فقدان الناس الثقة بكل أجهزة الدولة ومؤسساتها، لعجزها أو تعمدها عدم ملاحقة المعتدين على المال العام واسترداد الأموال التي استولوا عليها.
إن إعادة الهيبة للدولة ولمؤسساتها وضمان إشاعة الأمانة والنزاهة في الوظيفة والمنصب العام يتطلبان حزماً فعلياً وإجراءات عملية تكون عنواناً لمرحلة جديدة يتوق إليها البلد ويتطلع إليها الناس بحكومة تحقق ذلك، بعدما فقدوا الأمل. وقبل ذلك وبعده، لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة وفعلية في مواجهة مصدر هذه الأموال وهو الراشي أو السياسي الفاسد الذي يغدق الأموال طمعاً في أن يكسب أضعافها في مشاريع مشبوهة يحصل عليها أو صفقات يتم ترتيبها له ومن أجله.
تعليقات