#رأينا_الآن " صندوق الجيش " حلقة جديدة من سرقات المال العام ... والكويت ما قبل #بلاغ_ناصر يجب ألا تكون كما كانت قبل البلاغ

محليات وبرلمان

الآن - خاص 1601 مشاهدات 0


افتتاحية  

إذاً حُسم الأمر، وأحال النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح ملف التجاوزات الكبيرة في (صندوق الجيش) إلى النائب العام للتحقيق فيها ومحاسبة من تحوم حولهم الشبهات بنهب ثروات الوطن وتدمير مقدرات أجياله رغم أنهم كانوا مستأمنين عليها مع الأسف الشديد.

ولا نعلم إن كان الشيخ ناصر بهذه الحركة الجريئة التي أعقبتها استقالة الحكومة قد أنهى الجدل، أم أشعله، لكننا نقول بأن الكويت ما قبل بلاغ (صندوق الجيش) يجب ألا تكون كما كانت بعد البلاغ.

وقبل مناقشة البلاغ، أو الحديث عن التجاوزات المالية الصارخة التي قامت بها عناصر في الحكومة الحالية بارتكابها وفق البلاغ، يجب علينا أن نوضح حقيقة تسهل علينا فهم الكثير من الأمور ألا وهي أن السرقة من المال العام كانت في الكويت كما أشار أحد الكتاب عيباً وخطيئة في ستينيات القرن الماضي، ثم تحولت إلى ظاهرة نسمع عنها وتتسرب لنا أخبارها في ثمانينات القرن الماضي، لكنها بعد الغزو العراقي الغاشم على البلاد، وبعد قضية الناقلات والاستثمارات التي أفلت المتهمون الحقيقيون فيها من العقوبة، ولم يراعوا الحرب التي كانت تخوضها البلاد لتحرير نفسها من الاحتلال الغاشم، والدماء الزكية التي كانت تُسال على أرض الوطن، منشغلين بسرقة نفط وأموال الشعب كي ينعمون في قصورهم الفارهة في أوروبا بينما المواطنون ما بين لاجئ يعيش الشتات والخوف والقلق، وصامد في الكويت يجابه آلة الغزو البربرية التي جاء بها الطاغية صدام حسين وجنده وزمرته الباغية.

حينها، تحول مفهوم السرقة من المال العام إلى ثقافة ومنهج وعقيدة لدى الكثير من المسؤولين، وصارت السرقات والاختلاسات تبدأ من الخس والروبيان في وزارة الدفاع وانتهاء بمحطات الكهرباء ومحطات التصفية النفطية والصفقة الشهيرة مع شركة الداو كيمكال التي دفعنا فيها غرامات وصلت إلى أكثر من ملياري دولار.

وصار لقضايا الفساد لدينا عناوين براقة وأسماء لامعة، خصوصاً في وزارة الدفاع، كما هو الحال مع الأفلام الهوليوودية، فهناك (الأسلاك الشائكة) وهناك (الزورق الفرنسي) وهناك (الدبابة اليوغسلافية) وهناك (المدفع الصيني).

واستمرت قضايا الفساد حتى وصلت إلى البنية التحتية في مناطق الكويت، والتي كشفتها الأمطار التي تساقطت، وقضية ضيافة الداخلية التي أدين فيها من أدين وبرئ منها من برئ بعد عرض القضية أمام قضائنا الشامخ.

لكن الفرق بين قضايا الفساد الكويتية وأفلام هوليوود هو أن لأفلام هوليوود نهاية محددة بعد ساعتين من ابتداء الفلم، أما قضايا الفساد لدينا فهي مسلسل مكسيكي لا ينتهي، وبينما يرتدي أبطال الأفلام الأمريكية والمسلسلات المكسيكية البدلات الرسمية، يرتدي أبطال مسلسل الفساد الكويتي الطويل البشوت، بل إن بطل قضية التأمينات الاجتماعية التي أضاع فيها مديرها الأسبق أموال المتقاعدين من أهل الكويت يقوم الآن بممارسة رياضة المشي في شوارع لندن أمام الكويتيين بشكل فج ومستفز ، رغم نجاح إدارة الفتوى والتشريع بالحصول على حكم محكمة يحجز على أمواله التي بلغت أكثر من ٨٠٠ مليون دولار بحسب تصريح رئيس الفتوى والتشريع صلاح المسعد.

وصار كثير ممن نعرف أنهم يعيشون على المعاش الشهري، رجال أعمال يمتلكون الفيلات الضخمة في جنيف ولندن وباريس ، ويستثمرون الأموال الطائلة في أوروبا وأمريكا، بل إن بعض من دخل إلى الوزارة كموظف عادي، بات يملك مليار دينار عداً ونقداً، حتى أن أحد رواد الأعمال الأمريكيين الذين جاءوا إلى الكويت قال ساخراً بأن مستقبل ريادة الأعمال في الكويت مرتبط بالحصول على منصب وزاري أو كرسي برلماني.

لكن العلامة الفارقة في قضية الفساد الكبيرة المرتبطة بـ(صندوق الجيش) أنها جاءت متعلقة بالمؤسسة العسكرية التي تحمي البلاد وتصون حدودها وتسهر على أمنها أولاً، وبمقدرات جنود وأفراد ورجال هذه المؤسسة ثانياً، فهي لم تكن صفقة متعلقة بسلاح، بل متعلقة بأموال من يمسكون هذا السلاح، في مشهد يتناقض كل التناقض مع الوطنية والغيرة والشرف العسكري وكل ما تشمله قواميس اللغة من أمانة ونزاهة يد.

إن (صندوق الجيش) أنشئ لغاية تقديم خدمات اجتماعية لمنتسبي وزارة الدفاع ومن ثم توسع بشكل كبير وساهم في تقديم خدمات كبيرة للدولة في الغزو العراقي الغاشم، أي أن التلاعب فيه هو تلاعب بهيبة الدولة عسكرياً، وبمصير آلاف الجنود من قواتنا العسكرية ومقدراتهم.

لكن الأرقام المطروحة والمتداولة والتحويلات التي إن أحسنا الظن قلنا أنها (غير مفهومة) بلغت أكثر من ٢٤٠ مليون دينار، نعم أيها الأعزاء، الرقم بالدينار وليس بالدولار، إن هذا المبلغ الضخم يكاد يجعل العاقل مجنوناً، والحليم غاضباً من فرط هوله وحجمه، ويجعلنا نتساءل، كيف تتجرأ هذه الزمرة التي أحيلت للنيابة ان صحّت الاتهامات  ، على العبث بمقدرات الشعب والاستهانة به، وضرب كل ما يتربى عليه الإنسان من قيم وأخلاق عرض الحائط؟

إن الأرقام التفصيلية التي شاهدها الكويتيون بأكملهم، وكمية الأموال المهولة تستدعي تلقين من تورط فيها، درساً لا يمكن نسيانه، وفضح من امتلأ جيبه بالمال الحرام على رؤوس الأشهاد، لأننا ككويتيين قد وصل بلغ بنا السيل الزبى نتيجة هذه الأفعال في وقت يعاني فيه الكثير من المواطنين من الصعوبات الاقتصادية، والتعثر في سداد القروض وغيرها.

نعم، إننا في نقولها وبكل ثقة، لقد حان الوقت لأن نسدد مجتمعين ضربتنا القاضية على الفساد والمفسدين مهما علت مناصبهم، ولمعت مسمياتهم، وبرقت ألقابهم، لقد حان الوقت لأن يقول الشعب كلمته بعد أن استبد به الفساد، استبداد المحتلين للبلاد، أو أشد، كون الاحتلال سينجلي في يوم من الأيام، لكن الفساد ينخر المجتمعات، ويدمر المؤسسات، ويخرّب الأخلاق ويعطل القيم.

وإذا فسد المسؤول، فسد موظف الدولة، وإذا فسد موظف الدولة فسد الشعب، وإذا فسد الشعب، انتهت الدولة وباتت جزءً من التاريخ فلأجل الشعب والدولة، أوقفوا فساد المسؤولين والمتنفذين .

تعليقات

اكتب تعليقك