فهد البسام: أصبح الفساد اليوم أمراً واقعاً في كل المجالات وعلى جميع المستويات

زاوية الكتاب

فهد البسام 734 مشاهدات 0


لا يوجد كلمة ابتُذلت وتمرمطت سمعتها وأصبحت لا تؤذي من يوصم بها بقدر ما قد ترفع من قدره وقيمته وسط جماعته وحوارييه مثل كلمة الفساد، والفساد كما نعرف موجود منذ ظهر بيد الإنسان في البر والبحر. مشكلة خسائرنا المتتالية وتراجعنا الذريع في مواجهته لا تعود لقدرات أصحابه الفائقة وذكائهم الخارق، فأغلبهم مصاب بالفساد بالوراثة أو نتيجة زواج الأقارب، وتعرفون بالطبع تأثير مثل هذه الزيجات على الضمير والأرصدة والحسابات بالخارج، بل سبب الهزيمة الرئيسي والتراخي يعود لمدعي محاربة الفساد من ممارسي الانتقائية في اختيار حالات وأنواع الفساد المراد محاربته حسب نوعية الفاسد لا الفساد بحد ذاته، فتراهم يدعون محاربة أشخاص معينين بدعوى الفساد، وهم يصطفون بجانب آخرين أكثر فساداً أو يغضون النظر عنهم في أحسن الأحوال.

ابتذال القضايا الأخلاقية، والسكوت عن فساد صاحبنا لأنه يرفع شعارات تعجبنا في وجه من لا يعجبنا هو فساد من نوع آخر، فأمثال هذه النوعيات أكثر خطراً من الفاسدين أنفسهم، فهـؤلاء هم من يفسدون عملية محاربة الفساد بفسادهم المتمثل باللعب على الشعارات وابتذالها وإفقاد الناس الثقة بها وبالمؤمنين بها فعلاً، وبفضل هؤلاء "المصلحين" أصبح الفساد اليوم أمراً واقعاً في كل المجالات وعلى جميع المستويات، وبسبب عدم صدقهم وتلاعبهم ومعاييرهم المزدوجة صارت تتفاوت نسب الإدانة الأخلاقية والاجتماعية حسب زاوية الرؤية له، فما تراه محسوبية وخرقاً للقوانين قد يبرره غيرك بأنه مرجلة، وما تحسبه سرقة ونهباً يراه المستفيدون منه أو الطامحون له أنه شطارة وأمر طبيعي ومعتاد منذ خلقت الدنيا، وهكذا تجري الأمور، والكل يشكو فساد الآخر، ويغض الطرف عما يرتكبه هو أو أحبابه، هذه الانتقائية والموازنة المريحة في محاربة الفساد هي سبب نجاحه وانتشاره، فلا تفضح فاسدنا حتى لا نفضح فاسدكم، وتستمر الحياة ومعها الشكاوى والتحلطم الدائم، ولتحسين السمعة وتكفير الذنوب أمام الله والرأي العام يلجأ بعض الفاسدين أو المبررين له والساكتين عنه للتضييق على الحريات الشخصية وملاحقة "الفساد" الأصغر الذي لا يضر إلا صاحبه في أسوأ حال، فتصبح شهادة مزورة أو عمولة مشبوهة جريمة فيها نظر، أما زجاجة في الجمرك أو ندوة في المسرح فجريمة لا تغتفر.

إذا سبرنا الغور فسنجد أن الشعب لا يعاني من الفساد، الفساد هو من يعاني من اختلال معايير الشعب، فمحاربة الفساد يفترض ألا تقبل المساومات السياسية والتنازلات الأخلاقية، ومن يبدأ حياته مثلاً بتزوير شهادة هنا أو إعاقة هناك، ويهون من أمر فعلته تلك تحت رخصة "كلهم يسوون جذي" الواسعة جداً، هو في حقيقته مشروع حرامي كبير لم تتح له الفرصة بعدُ، فلا يحق له ولأمثاله ادعاء رفضهم للفساد، فاختلاف المواقف يبقى دائماً ملعب النصابين والمتخاذلين والمدعين.

تتغير حكومات ووزراء ونواب وبشوت، ثم تقف خلف فاسد ليحارب لك فاسداً آخر، وتتوقع بعدها أن ينتصر الحق والإصلاح، والدنيا يبأه لونها بمبمي والعصافير تملأ السماء الزرقاء، يا عزيزي لتكن مسطرتك واحدة وتذكر القاعدة الذهبية، وعلى طريقة الشيخ الشعراوي "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما إيييييه..؟!"، ما بأنفسهم يا ابني ما بأنفسهم.

تعليقات

اكتب تعليقك