مبارك الجري: بين نقد أفكار النفيسي والإساءة إليه (٢)

زاوية الكتاب

كتب مبارك الجري 1221 مشاهدات 0


من يتابع مقابلات النفيسي ومحاضراته فسيلاحظ أن اهتمامه بالشأن الإقليمي أكثر من الشأن المحلي، ولا أرى في ذلك أي عيب أو قصور كما يعتقد البعض. أذكر أنني اتصلت بالدكتور عبدالله النفيسي قبل ست سنوات تقريباً لمعرفة رأيه بتداعيات مرسوم الصوت الواحد الاجتماعية في الكويت، وتوقعت أن أخرج بتحليلات مهمة، ولكن كان رده واضحاً عندما قال «أنا لا أتابع الديموقراطية في الكويت»، وانتهت المكالمة بعد هذه العبارة، متمنياً لي التوفيق في مشروعي البحثي الذي لم يكتمل في نهاية الأمر. ويمكن فهم طبيعة اهتماماته البحثية بعد اختياره لموضوع أطروحة الدكتوراه «دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث» وأيضاً القياس عليها. يفسر النفيسي في آخر لقاء جمعني به قبل عام تقريباً سبب عدم تركيزه على التطورات السياسية في الكويت، قائلاً «في العلوم السياسية يوجد نوعان من الدول، الأولى: هي الدول المؤثرة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فهي توجه ولا تتوجه ويمكن وصفها بـInner Directed، التي تتلقى توجيهها من الداخل، بعكس الثانية Outer Directed التي تتأثر ولا تؤثر وتطورات الخارج تنعكس عليها في الداخل. وأحوال الدول المؤثرة أو الموجهة وتطوراتها يمكن رصدها بسهولة سواء من الاعلام، أو الصحف أو الإذاعة بخلاف الأخرى. ما سبق لا يخرج عن سياق نشأة النفيسي التعليمية، والتي كتب عنها بشيء من التفصيل في كتابه «من أيام العمر الماضي»، وهو دائما يذكر في لقاءاته أن الحقل السياسي في الكويت لا يشده كمتابع أو كباحث. كرر النفيسي في أكثر من ندوة ومقابلة وحتى في حسابه بتويتر بعض الأسماء الأكاديمية وإصداراتها، مثل روثشتاين صاحب كتاب Small States، وشوارزنبرغر مؤلف كتاب Power Politics. وأعتقد أن النفيسي تأثر بهما كثيراً، ولا أبالغ إذا قلت إن صدى اطروحاتهما يمكن ملاحظته في كتاباته أو خطاباته أو أفكاره وفهمه السياسي بجانب كتابات أخرى، وهذا يضاف إلى أسباب اهتمامه بالخارج أكثر من الداخل. قراءات وتحليلات النفيسي للقضايا الدولية والتحولات الإقليمية أفضل وأكثر فائدة من حديثه عن التاريخ السياسي في الكويت، لا سيما البرلمان والتيارات والحركات السياسية، وهذا يعود في تصوري إلى عدة أسباب، أهمها تكوينه الفكري وندمه على تجربته السياسية في برلمان ١٩٨٥، ولا أقصد هنا أنه لا يستطيع أو غير قادر على تحليل السياسة في الكويت، ولكنه لا يرغب بها، أو كما يقول: «مواضيع الدول الصغرى ليست من اهتماماتي ولا تستهويني»، ومثله كثر من الأكاديميين والباحثين. هناك فرق ما بين لغة السياسي والأكاديمي، فالأول تحكمه مصالحه في الحديث عن أي مشهد سياسي، والثاني يتعامل مع أي قضية سياسية باعتبارها مشكلة تحتاج إلى تحليل ومعالجة لجذورها، وشتان ما بين الكلام والتحليل. إن طبيعة الأسئلة التي طرحها الإعلامي عمار تقي في برنامج «الصندوق الأسود» حتى الجزء السادس عشر، على الرغم من أهميتها، فإنها لم تضع أي مساحة لأفكار النفيسي السياسية ورأيه في التطورات الإقليمية والدولية، وركزت أكثر على تجربته السياسية التي أبدى ندمه عليها في أكثر من لقاء ومقابلة. وأعتقد أن أطروحات النفيسي تكتسب قوتها وعمقها من تفسير وتفكيك ظاهرة سياسية ما وليس من مجرد سردها. ومن يريد الاستفادة أكثر من آرائه وتحليلاته، فعليه الخروج من جغرافيا الكويت أو من حدود الدول الصغرى.


تعليقات

اكتب تعليقك