رأينا الآن " رقابة سديدة .. لكويت جديدة " تقرير رائع لديوان المحاسبة يعزز الشفافية والرقابة المجتمعية
محليات وبرلمانالآن أكتوبر 21, 2019, 12:49 م 659 مشاهدات 0
افتتاحية
طرحنا في أكثر مرة هنا في مطالبنا بأن تكون الجهات الحكومية على قدر من المسؤولية والوعي ، وأن تستثمر ميزانياتها الضخمة في سبيل خدمة المواطنين، وتفعيل الدور الرقابي للمواطن عليها وفق ما يسمى بـ"الرقابة المجتمعية" ، وفكرتها جعل المؤسسات الحكومية مؤسسات مبنية من "زجاج شفاف" يطلع المواطن على بواطنها ودهاليزها بما لا يمس سرية العمل المؤسسي.
وهذه الإجراءات في الشفافية و"الرقابة المجتمعية" مطبقة في الكثير من الدول المتقدمة التي تتمتع بمؤشرات عليا في الشفافية ، ولعل أهمها الدول الاسكندنافية، حيث يمكن للمواطن النرويجي العادي مثلاً أن يقوم صباح كل يوم ويراقب مؤشر استثمارات بلاده الخارجية على موقع للانترنت.
وبما أننا في نعطي كل ذي حق حقه، وجب علينا أن نشيد بما قام به ديوان المحاسبة من تفعيل لدور "الرقابة المجتمعية" ، وذلك عبر نشره لـ"تقرير المواطن" لعام ٢٠١٩ ، وهو التقرير الذي يصدر للعام الثاني على التوالي ، ويستهدف المواطنين والمجتمع المدني تحت شعار "رقابة سديدة .. لكويت جديدة" ، وهو عنوان يتماشى مع الدور الوطني الذي يقوم به الديوان في محاربة الفساد والإهمال والكسل وملاحقهم رموز الفشل والتسيب المالي والإداري في بلدنا الحبيب الكويت.
واطلعت على التقرير الذي يقع في ٤٠ صفحة مصممة بطريقة "جرافيكسية" أنيقة ومريحة للعين، وينقسم إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول يتعلق بدور ديوان المحاسبة ووظيفته التي يجهلها الكثير - مع الأسف - كما يتعلق بدور المواطن والموظف الحكومي في تفعيل أدواته الرقابية ، ونجدة ديوان المحاسبة حال مشاهدته أو سماعه أي قضية فساد أو تسيب مالي، فيما يتحدث القسم الثاني بشكل أكثر تفصيلي عن "موضوعات الساحة" وهي المأساة التي حدثت في موسم الأمطار الماضي وتطاير الحصى وغرق منطقة الفحيحيل وكارثة طفح نفق الصباحية ومشاكل البنية التحتية في مدينة صباح الأحمد السكنية ، كما تطرق أيضاً للوضع المالي للدولة ، ووضّح الكثير من المصطلحات المالية والإدارية التي ترد في الصحف ولا يعرفها المواطن العادي غير المهتم بالشؤون السياسية والرقابية والمحاسبية ، وضّحها بشكل سلس على طريقة "سؤال وجواب" ، كما أتاح طرق التواصل مع ديوان المحاسبة في كافة برامج التواصل الاجتماعي ، وهو أمر لم نعهده من الجهات الحكومية التي يتخلف الكثير منها في مسألة النشر الإلكتروني رغم أهميتها هذه الأيام.
ويمكن لنا القول إنها المرة الأولى التي يوجه فيها تقرير بهذا الشكل الصريح والواضح الخالي من العك ومن الألفاظ الجاهزة و "الكليشيهات" المعتادة إلى المواطنين في تصميم أنيق وجميل، بل إنها المرة الأولى بحسب ما نعرف في الدولة التي يتم إصدار فيها تقرير بهذا الشكل، يجمع بين التوعية والدعاية والشفافية.
فمن ناحية التوعية، لاحظت شرح هذا التقرير لأهمية "تفعيل دور المساءلة لإحداث فرق في حياة المواطن" ووضحت للمواطن البسيط وبلغة الأرقام كما يقولون أهمية الرقابة التي يقوم بها ديوان المحاسبة في توفير المال العام وبالتالي حماية مصلحة المواطن عبر خلق وطن مقتدر مالياً ومعافى اقتصادياً لا ينهبه ناهب ولا يسرقه سارق وهو ما تحقق في الرقم الذي ذكره التقرير حيث بلغ إجمالي الوفر ٦١١ مليون دينار كويتي خلال ثلاثة أعوام تقريباً.
أما من ناحية الشفافية فإن التقرير قد أعطى نسباً بيانية في أعداد موظفيه وقياديه كما أعطى بياناً بالأرقام المتعلقة بعدد القضايا والهيئات التأديبية والدعاوى التي يقوم عليها نتيجة فسادٍ أو إهمال.
إننا تعودنا في منذ أن خططنا أول حرف فيها، ونشرنا أول مقدمة، وأذعنا أول مقال صحفي أننا إذا رأينا مسيئاً خطأناه وقومناه وإذا كان قيادياً عاماً وتعلق الخطأ بقيادته، نصحناه على رؤوس الأشهاد، وإذا رأينا محسناً مدحناه وأطرينا فعله الحسن، وإذا كان قيادياً عاماً مدحناه على رؤوس الأشهاد أيضاً لأن الحديث الشريف يقول "أعطوا كل ذي حق حقه" وكان من اللازم والواجب أن نعطي ديوان المحاسبة حقه على هذا التقرير المثير للإعجاب.
لكن هذه المقدمة ليست للمديح والإعجاب فقط، بل هي رسالة لكل الإدارات والهيئات في الدولة أن تحذو حذو ديوان المحاسبة، وأن تفعل مواردها الضخمة التي تملكها في سبيل التواصل مع المواطن وكسب ثقته وإعلان شفافيتها على الملأ بطرق ليست تقليدية، فنشر خبر في صحف ورقية عفا عليها الزمن، أو حديث مكرر في قنوات تلفزيونية لا يشاهدها أحد، أو مقابلة مدفوعة تتحدث عن "توجيهات مدير الإدارة لخدمة الوطن والمواطن" أو إغراق المتابع بالمصطلحات الدقيقة هي أمور باتت تنتمي لعقلية السبعينيات، أما اليوم فإن المواطن يريد أن يشاهد بيانات حقيقية تُشرح له بطريقة مفهومة وبتصاميم أنيقة كالتي يشاهدها على الخدمات التابعة للقنوات العالمية في مواقع التواصل الاجتماعي، أو النشرات التي تقوم الشركات الخاصة بطباعتها بتكاليف أقل من تكاليف "البيروقراطيين الحكوميين".
إن المواطن لا يبحث عن الإثارة الصحفية، أو يريد تصيّد زلات المسؤولين كما يصور البعض، بل إن جل ما يريده أن يعرف فقط، نعم أن يعرف فقط، أن يعرف ما الذي يدور داخل دهاليز الهيئات والمؤسسات الحكومية، وهل هي قلاع محصنة مغلقة بأرقام سرية، أم أنها تنتمي للمواطن ويمتلكها كونه جزء من منظومة الدولة، وباعتقادنا فإن المفتاح السرية لجعل المواطن يشعر بحقيقة أنه جزء من الموسسة وبالتالي جزء من الدولة هو أن يعرف ما بداخلها وهذا فعلاً ما قام به "ديوان المحاسبة".
إننا نأمل أن تكون مقدمة الأسبوع القادم في مقدمة متعلقة بجهة حكومية أخرى نشرت تقريراً شفافًا حول آليات عملها وأرقامها وقضاياها الحقيقية للمواطن، وحتى ذلك الحين يجب علينا أن نردد "برافو ديوان المحاسبة".
تعليقات