عبدالله بشاره : ليس عنصريا من يحذر من الاضطراب السكاني غير المسبوق في الكويت
زاوية الكتابكتب عبدالله بشاره أكتوبر 20, 2019, 11:25 م 1041 مشاهدات 0
القبس
من حق الكويتيين أن يتحسسوا من الاضطراب السكاني الداخلي غير المسبوق، وما قد يفرزه هذا الاضطراب من توترات مضرة باستقرار البلد ومعطلة لتطوره، ومستنزفة لرصيده، في جوانبه الأمنية والاقتصادية، ومربكة في أبعاده الاجتماعية، وإذا صدرت أصوات تحرك هذه الأجراس فليس من الحكمة إمطارها بتهم التعصب، وإنما هي تعبير عن قلق موجود، ليس وليد اليوم، وإنما ظل موضوعاً يشغل المجتمع، مستوطناً تفكيره، ومشكلاً بنداً في ملف الأمن والاستقرار.
وأجد العذر لمن يتكلم علناً، فتاريخ الكويت يسجل بكل وضوح المساعي لأطماع تتمنى الاستيلاء عليها بادعاءات وبابتزازات، وعندما لم تنجح لجأت للغزو المتوحش، واستولت بطانة صدام حسين على وطن بناه الكويتيون في تحديهم لطبيعة الأرض التي ترفض ضيافة الاستيطان، وشيدوا دولة تحولت مع سخاء الأرض إلى مزار رائق، ثم إلى شعلة انسانية مضيئة.
ومن حق الكويتيين أن يتخوفوا من الاختلال السكاني، الذي قلص نسبتهم إلى الثلث، فقد ذاقوا مهانة التشرد، وعرفوا أن فرص الترحيب بالمشردين تظل نادرة، ومن حسن الحظ أن الجوار الخليجي استوعبهم مشردين، وساهم في عودتهم متحررين، وليسوا – بعد كل هذا - في مزاج للتسامح في أمنهم، ولن يقبلوا مشاركة الآخرين في قرارهم.
هناك أربعة ملايين ونصف المليون شخص داخل الكويت في بقعة صغيرة، بدخل يتقلص وتكاليف تزداد، وشباب يتأهل، واسواق تقل، ورجال أمن مرهقين، وامكانات دفاعية تكنولوجية محدودة، ونظام سياسي مفتوح، واجتماعي متسامح، مع عدد كبير من الوافدين لا تحتاجهم الكويت، وعمالة سائبة تتجول هاربة من الملاحقة، كما تشكلت شبكات من المحتالين، الذين تلاعبوا بقوانين الدولة، ووجدوا في بعض الكويتيين أعواناً لهم في ارتكاب المخالفات بالمتاجرة بالبشر عبر وهمية الفرص وطرح مشاريع لبيع عقارات في الخارج سقط في شباكها عدد من المواطنين وغيرهم.
وبصراحة اللوم يقع علينا قبل الإيحاء باتهام الآخرين، فالسلطات المعنية لا تحتاج إلى إذن من الخارج لتبعد المخالفين وتسجن المجرمين وتزيل الشركات الوهمية لاستدراج عمالة كاذبة، وتمنع من يعمل خارج التزامات الكفالة، وتبعد من لا عمل له، هذا واجب أمني لا يمكن تجاهله من السلطات التي تسهر على تأمين الاستقرار والاطمئنان.
هناك مسؤوليات على المواطن في المشاركة في منظومة الأمن الوطني، فالحرص على نظافة الحياة في الكويت لا يمكن تحقيقه بجهد السلطة بمفردها، وإنما الدورعلى أبناء البلد في كشف المخالفين، وتعرية التستر، والتبليغ عن مرتكبي الأخطاء، فضلا عن ضرورة امتثال الجميع للقانون والقيام بمسؤولياته كمواطن ساهم في سلامة البلد، لا سيما ذلك المواطن الموجود داخل منصة القرار والتأثير، ومن دون شك أن مجلس الأمة لم يقم بما يتوجب عليه في التعاطي مع الملف السكاني بمسؤولية وشفافية، لأن هناك اتهامات توجه إلى بعض المواقع داخل المجلس بالسعي الى تجنيس الأقارب المساندين من فروع القبائل ومن الصلات العائلية، مع نفوذ المفاتيح الانتخابية على مزاج النواب والدخول مع هذه المفاتيح في علاقة خدمات متبادلة.
يمكن القول ان الواقع السكاني يظل أزمة تستدعي هبة جماعية وفق خطة معقولة وقابلة للتنفيذ لا تؤدي إلى اضطراب في الأداء العام للجهات الحكومية أو للقطاع الخاص، مع ادراك ان عملية إحلال الكفاءة الوطنية تسير بالتدرج ومن دون إرباك للأجهزة.
الخطة الوطنية للوصل لرفع نسبة المواطنين في المحتوى السكاني لتصل إلى %60 ليست سهلة ولا ينفعها الارتجال، فطبيعتها تقوم على الوعي بالتخلي عن بعض مزايا الرفاهية، عبر حملة متواصلة بأن أمن الأوطان وصحة الأبدان هما العمود الواقي للاطمئنان.
وبالطبع فإن التضحية، لا سيما في تخفيف أعداد العمالة المنزلية، تصبح أمراً مؤثراً في تنفيذ الخطة المطلوبة التي عليها البدء في علاج العمالة السائبة والمخالفة ومن التجمعات التي تشكل عبئاً على الدولة أمنياً ولوجستيكياً واجتماعياً.. نعترف بأن الأمر معقد مع توجه الكويت لاكتمال مدينة الحرير وما يتبعها من التزامات، لكن تبقى الحقيقة أن أمن الكويت أولوية طاغية، تفرض المقاربة بأسلوب هادئ من دون إثارة إعلامية تفرز قلقاً نحن لسنا بحاجة إليه.
سأنتقل إلى موضوع آخر له أهمية دقيقة في النهج الذي نتبناه في تواصلنا مع الدول العربية، في ضوء ما حدث في الأردن لمنتخب الكرة الكويتي، والضيق الذي تولد من هتافات لزعيم الاغتيالات صدام حسين، فنحن أكبر من أن نقف عند تفاهات حاقدة لن تتغير مهما عملنا، مقامنا أن نتعالى على صيحات الرعاع بإدراكنا لأهمية الأردن في النظام الأمني الاقليمي ودوره الايجابي في الاستقرار، وعقلانية سلوكه المؤكد من حرص الملك عبدالله على بيئة هادئة مسالمة تنعم بها دول الجوار، والأردن بلد فقير تستوطنه تناقضات السياسة والأيديولوجيات العربية، ويجاهد للتعايش معها كي لا تضيع القواعد التي استحضرها الملك عبدالله، وربما ينزلق الأردن مرة أخرى إلى التيه السياسي الذي عاش فيه خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفي هذا الصدد أسجل بتقدير دور الصناديق الكويتية للتنمية في دعم الأردن، فحاجتنا للأردن السليم بقدر حاجتنا للأمن الاقليمي السليم، ولو عندي بئر بترول لنقلته إلى الأردن ليس حباً وهياماً، وإنما تعزيزاً لأمن الكويت ولرساخة أعمدة البقاء فيها، فهناك شعب يصرخ من الضيق، وحقه علينا الاسهام في حياته وتحسين مستقبله، سواء صرخ مرة أخرى أو التزم بالهداية، بقاء النظام الملكي الأردني، وقوته واتساع نفوذه يسير في اتجاه استراتيجيتنا، ويتوقع منا أن نبقى كباراً لعونه.. ونعاضده في متاعب اللاجئين، وفي اسقاطات اليأس الفلسطيني، وفي غياب التجاهل الأميركي، فلا يبقى للأردن سوى الخليج ومجلسه وشعبه ومناصريه، وصيحات الرعاع تؤلم الأردن كثيراً ولا تهمنا أبداً.
تعليقات