بدر الفيلكاوي: لكل مسؤول فاسد «أرتينو» خاص فيه!
زاوية الكتابكتب بدر سعيد الفيلكاوي سبتمبر 30, 2019, 10:54 م 886 مشاهدات 0
ولد پييترو أرتينو في عصور الظلام، كابن غير شرعي لأحد النبلاء من أم تمتهن البغاء كأسلوب عيش، لما كبر تنقل بين المهن وكان يطرد من أغلبها لأنه يمارس الدعارة بالسر، وظل يهرب من مدينة إلى مدينة حيث لا يعرفه أحد ويعود لممارسة مهنته، إلى أن مات فيل كان قد أهداه ملك البرتغال للبابا الذي أحبه كثيرا، فحزن على موته حزنا شديدا، ولكي يتجاوز هذا الحزن طلب من الرسام الشهير رفائيل أن يرسمه بحجمه الطبيعي، فرسم الرسمة وكتب تحتها «ما أخذته الطبيعة استرده رافائيل بفنه».
أخذ پييترو هذه الفرصة، وبدأ بتوجيه انتقادات شديدة اللهجة للبابا عن طريق كتيب صغير بعنوان «الوصية الأخيرة للفيل وشهادته على العصر»، انتشر الكتيب بين الناس، الذي لم يترك مسؤولا إلا وانتقده، وختم الكاتب كتيبه بشعر كان مضمونه بأن احذر من معاداة پييترو واجعله صديقا لك، فبكلمات بسيطة يستطيع أن يدمر البابا بقداسته.
قام البابا الذي كان لديه سلطة على أغلب أوروبا ذلك الوقت بالبحث عن پييترو وقربه إليه وأعطاه منصبا رسميا في البلاط الباباوي خوفا من لسانه، فأصبح يرتاد الكنائس ويعظ الناس بعد أن كان يمتهن الدعارة، وكل أوروبا بمن فيهم ملك فرنسا وإمبراطور هابسبرغ ترغب تتقرب إليه وتطلب رضاه.
شخصية پييترو وغيره من الشخصيات المتسلقة، موجودة في كل زمان ومكان، تكثر عند زيادة الفساد وتقل مع قلته، تعيش كالفطريات على أجسام الفاسدين، فلكل مسؤول فاسد هناك أرتينو خاص فيه، ومع انتشار وسائل التواصل كثر الأشخاص اللذين يرغبون بفعل نفس فعله، والشبكة التي تم ضبطها قبل فترة خير دليل على ذلك، فالأخبار التي تتناقلها الصحف توضح أن هناك من رضخ لها ومسؤولين كبارا رفضوا الرضوخ وحاربوها، لكن لا يعني أن قد يكون هناك غيرها نجح في الوصول لمبتغاه.
في كل المجتمعات يوجد حمقى مشاهير ومتسلقون مثل أرتينو، لكن لا تجد هؤلاء الحمقى يعطون الناس محاضرات في أماكن أكاديمية تحترم نفسها، وذلك لأن الجهة الأكاديمية تخاف على سمعتها، فلا تسمح بدخول مثل هؤلاء، فدخولهم رغم شهرتهم بالكلام البذيء والتسلق وسطحيته الفكرية دليل على أن هناك من يرغب في أن يتقرب لهم خوفا من أن يفضحوا فساده أو حتى يتمكن عن طريقهم من الوصول لمبتغاه، فأعتقد أن من واجبنا كمجتمع على الأقل أن نمنع مثل هؤلاء من تلويث البيئة الأكاديمية داخل مجتمعاتنا وزيادة مشاكلها أكثر مما هي عليه.
تعليقات